للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على السجادة، وقد حمتها السجادة أن تتكسر ولكن ما فيها أريق كله، وملأ الغرفة بأرجه، فصار المكان كأنه بستان زهر. وصوبت عينها إلى السجادة فرأت العطر قد رسم دائرة كبيرة داكنة على النقوش الفارسية الجميلة، فانحنت والتقطت الزجاجة الفارغة، وردتها إلى مكانها. وسمعت في هذه اللحظة صوتاً فريعت ودارت على عقبها، فإذا حسن أمامها يتئرها النظر كأنما يريد أن يأكلها بعينيه، وكان قد دخل كالقطة، وساعده لين السجادة السميكة على إخفاء صوت قدميه الغليظتين

وكان حسن ينهج كأنما يجري، وكانت أنفاسه تروح وتجيء بسرعة، وعيناه كالجمرتين، ونعيمة ترى هيئته، وترعد كأنها في ثلاجة، وقد أيقنت أنها فقدت عملها. . وهل يبقيها حسن وقد رأى ما صنعت؟؟. . ربما. . فما صنعت شيئاً في الحقيقة سوى أن زجاجة عطر سقطت من بين أصابعها؛ ولكن الرجل فيه جفوة وغطرسة، وهو قاس، وقد أطغاه أن سيده ترك له أمر الخدم. . فهل يطردها. . أم تراه سيترفق بها ويعفو عنها؟. .

ولم تمض في تفكيرها، فقد مد حسن يديه إليها، بغتة، وتناول كتفيها - أو على الأصح ثوبها على كتفيها - وهزها وقال لها (سيكون هذا آخر لعبك هنا)

فتوسلت إليه، وأقبلت عليه تستعطفه، وتقول له إنها محتاجة إلى البقاء، وأين تذهب إذا طردها؟. .

فقال بجفوة (تريقين زجاجة ثمنها ثمانون قرشاً وتظنين أن في وسعك أن تبقي؟)

فأيقنت نعيمة أن هذا آخر عهدها بالبيت الجميل، والسيد الوديع الظريف، وصار صدرها يعلو ويهبط.

ولم تفت حسن حركة صدرها المغرية، فدنا منها وقال: (ثم إني رأيتك راقدة فوق هذا السرير أيضاً)

فكادت نعيمة تسقط على الأرض، وأحست أن رجليها تخذلانها. . ستفقد الآن عملها على التحقيق!! ومن ذا الذي يستخدم مثلها وهي حديثة عهد بالخدمة؟. وكانت يدا حسن لا تزالان على كتفيها فشد بهما على جسمها، حتى لقد أحست نعيمة أن أصابعه انغرزت في لحمها، وشعرت بأنفاسه الحارة على وجهها وسمعته يقول (إذا أردت البقاء فليس هناك إلا طريقة واحدة)

<<  <  ج:
ص:  >  >>