وكان لهذا الحادث الأخير أثره في إذكاء نار الثورة، وكان نذيراً للموريسكيين بأن الموت في ساحة الحرب خير مصير يلقون. فسرى إليهم لهب الثورة بأشد من قبل وطافت بهم صيحة الانتقام فانقضوا على الحاميات الأسبانية المبعثرة في أنحاء البشرات ومزقوها تمزيقاً وهزموا قوة أسبانية تصدرت لقتالهم واحتشدت جموعهم مرة أخرى تملأ الهضاب والسهل؛ وعاد محمود بن أمية ثانية إلى تبوأ عرشه الخطر، والتف حوله الموريسكيون أضعاف ما كانوا، وبعث أخاه عبد الله إلى القسطنطينية يطلب العون من سلطانها، ولكن سلاطين قسطنطينية لم يلبوا ضراعة الموريسكيين برغم تكرارها منذ سقوط غرناطة ولم يلبها غير إخوانهم المجاهدين في أفريقية، فقد استطاعت جموع جريئة مخاطرة منهم أن تجوز الشواطئ الأسبانية ومنهم فرقة من الترك المرتزقة وأن تهرع إلى نصرة المنكوبين
وهكذا عاد النضال إلى أشده، وخشي الأسبان من احتشاد الموريسكيين في البيازين ضاحية غرناطة، فصدر قرار بتشريدهم في بعض الأنحاء الشمالية، وكانت مأساة جديدة مزقت فيها هذه الأسر التعسة وفرق فيها بين الآباء والأبناء، والأزواج والزوجات في مناظر مؤثرة تذيب القلب، وسار المركيز لوس فيليس في نفس الوقت إلى مقاتلة الموريسكيين في سهول المنصورة على مقربة من أراضي مرسية، ونشبت بينه وبينهم عدة وقائع غير حاسمة، ولم يستطع متابعة القتال لنقص في الأهبة والمؤن وكان بينه وبين زميله منديخار خصومة ومنافسة كانتا سبباً في اضطراب الخطط المشتركة، واتهم منديخار بالعطف على الموريسكيين فاستدعي إلى مدريد، وأقيل من القيادة، واتخذت مدريد خطوتها الجديدة الحاسمة في هذا الصراع الذي لا رحمة فيه ولا هوادة