الشباب لا يهدأ نضاله ولا يصرفه عن عمله كلل أو فشل! وكيف نريد أن نحرم الشباب لذة العمل في هذا الانقلاب وهم كانوا يده المتصرفة وقلبه الذي ينزف دماً!
لعل الشباب يزعمون أنهم قد انتهى عملهم بعد أن انتهى الفوز لهم؛ ولعل الشباب يقولون: لنسترح الآن فقد تم جهادنا؛ ولعل الشباب يظنون أن العهد الذي جاهدوا فيه في سبيل الحرية قد انقضى. على أن عملهم الحقيقي قد (بدأ الآن) لأنهم هم الذين خلقوا العهد الجديد وهم الذين ينبغي أن يكونوا دعائمه.
بلى! يا شبابنا، ومصابيحنا في طريقنا! لم ينته عملكم وإنما عملكم ابتدأ الآن، لأن العبودية السياسية التي تحررتم منها لا يزال خلفها عبوديات مختلفة ليست بأقل خطراً منها. ومن ذا يعمل على التحرر من هذه العبوديات إلا الذين لا يعرفون الوهن في العزم ولا التردد في الإقدام، وهم الشباب!
أنقذتم أنفسنا من العبودية السياسية فأنقذونا من العبودية الروحية التي أورثت أرواحنا الذل وأورثتنا مع الذل الضعف والجبن حتى أصبحنا إذا طلبنا حقنا طلبناه سائلين.
أنقذوا نفوسنا من العبودية العقلية التي غادرت تفكيرنا رياء، وتظاهرنا بالتقاليد رياء. وهل كان الرياء إلا ثوباً من أثواب العجز؟ وهل كانت العبودية العقلية إلا شر من العبودية السياسية؟
أنقذوا نفوسنا من عبودية الألقاب الفارغة، والتقاليد البالية، التي نشهد بها على حقارة أنفسنا بأنفسنا. وكونوا مثال العزة والكرامة التي لا تكرم إلا الكرامة.
هنالك عبوديات كثيرة تقف في طريقكم، وعقبات كثيرة تريد وقف سيركم المبارك، ومن لها إلا الشباب؟ إلا الذين يسعون إلى الحرية لتقتلهم الحرية، وبقتلها إياهم يعتزون وينتصرون، ومن لها إلا الشباب الذين يرى فيهم الجامدون خطراً على المجتمع لأنهم متطرفون متهورون يجمح بهم طموحهم كثيراً. فأي شئ يخاف هؤلاء الجامدون من خطر يريد أن يقلب مجتمعاً تراكم الفساد فيه على الفساد؟ أي شئ يخاف هؤلاء البالون من تهور على طريق الحرية وحدها! وأي شئ يخاف هؤلاء الجبناء من طموح يريد أن يصعد ويصعد!
ها قد جاء عهدكم أيها الشباب! العهد الذي يعطيكم الحرية ويفتح لكم آفاق الأمل فيما