وفي ٢٨ أكتوبر سنة ١٥٧٠ اصدر فيليب الثاني قراراً بنفي الموريسكيين من مملكة غرناطة إلى داخل البلاد. ومصادرة أملاكهم العقارية وترك ملاكهم المنقولة يتصرفون فيها؛ ونفذ القرار الجديد بمنتهى الصرامة والتحوط، وجمع الموريسكيون في الكنائس أكداساً، يحيط بهم الجند في كل مكان، ونزعوا من أوطانهم وربوعهم العزيزة، وشتتوا داخل الأقاليم الأسبانية، وانهار بذلك المجتمع الموريسكي في مملكة غرناطة
ولم يبق إلا أن يسحق مولاي عبد الله وجيشه الصغير؛ وكان هذا الأمير المنكود يرى قواده وموارده تذوب بسرعة وقد انهار كل أمل في النصر أو السلم الشريف؛ بيد انه لبد مختفياً في أغوار الجبال مع شرذمة من جنده المخلصين، وفي مارس سنة ١٥٧١ كشف بعض الأسرى سر مخبئه للأسبان فأوفدوا رسلهم إلى معسكره في بعض المغائر وهناك استطاعوا إغراء ضابط مغربي من خاصته يدعى (الزنيش) أغدقوا له المنح والوعد إذا استطاع أن يسلمهم مولاي عبد الله حياً أو ميتاً وزودوه بالعفو الشامل؛ فدبر الضابط الخائن خطة لاغتيال سيده؛ وفي ذات يوم فاجأه مع شرذمة من أصحابه فقاوم مولاي عبد الله ما استطاع ولكنه سقط أخيراً مثخناً بجراحه فحمل الخونة جثته إلى غرناطة؛ وهناك رتب الأسبان موكباً أركبت فيه الجثة مسندة إلى بغل كأنما هي إنسان حي، ثم حملت إلى النطع وأجري فيها حكم الإعدام، فقطع رأسها ثم جرت في شوارع غرناطة مبالغة في التمثيل والنكال، وبعد ذلك أحرقت في الميدان الكبير
- ٥ -
وهكذا انهارت الثورة الموريسكية وسحقت وخبت آخر جذوة من العزم والنضال في صدور هذا المجتمع الأبي المجاهد وقضت المشانق والمحارق والمحن المروعة على كل نزعة إلى الخروج والنضال، وهبت ريح من الرهبة والاستكانة المطلقة على ذلك المجتمع المهيض المعذب، وعاش الموريسكيون لا يسمع لهم صوت، ولا تقوم لهم قائمة، في ضل العبودية الشاملة والإرهاق المطبق حقبة أخرى
على أن أسبانيا النصرانية لم تطمئن مع ذلك إلى وجود هذا الشعب المستكين الأعزل الذي مازال رغم ضعفه وذلته يملأ جنباتها بفنونه ونشاطه المنتج؛ وكانت الكنيسة مازالت تنفث إلى الدولة تحريضها البغيض على مجتمع لم تطمئن إلى صحة إيمانه، وكانت الدولة ذاتها