الضروري أن يبدو كأنه يتصف بها. . . ولا يستطيع الأمير، ولا سيما الأمير الجديد، أن يراعي كلالأمور التي يقدر الناس من أجلها، لأنه كثيرا ما يرغم، لكي يحفظ الدولة، على أن يتصرف بغير ما يقضي به الإخلاص، والصداقة، والإنسانية، والدين. وإذن فمن الضروري أن يكون عقله متأهبا ليعمل طبقا لتقلب الريح والحظ).
٧. وقال مشيرا إلى سياسة ملك إسبانيا فرديناند الكاثوليكي ضد المسلمين عقب سقوط غرناطة:(إنه ينتحل الدين دائما عذرا للقيام بأعمال عظيمة، وقد ثابر بقسوة صالحة على إخراج المسلمين من مملكته وتطهيرها منهم، وليس ثمة أبدع من هذا العمل وأندر منه).
نستطيع من هذه النماذج الموجزة أن نفهم روح الفلسفة المكيافيللية في تصوير الدولة والأمير. وهي فلسفة تقوم على الحقائق العملية. وتحل هذه الحقائق على رغم جفائها وروعتها المكان الأول في بناء الدولة، وفي سياسة الأمير. فالنفاق والشح والوضاعة، والقسوة والإرهاب، والغدر والنكث بالعهد. وإهدار الإخلاص والصداقة والأمانة والدين، وما إليها مما ينافي المثل الفاضلة وتأباه الأخلاق والإنسانية، ليس مما تنكره الفلسفة المكيافيللية، ولا مما يشين السياسة التي تقوم عليها. ومن ثم كان الأمير أو السياسي الأمثل في نظر مكيافيللي طاغية لجأ في تأييد سلطانه إلى أروع الوسائل وأشنعها مثل البابا اسكندر السادس، وابنه شيزاري بورجيا (دوق فالنتينو). ويتناول مكيافيللي طرفا من حياة شيزاري بورجيا الذي عرفه واتصل به في رسالة خاصة، ويبدي إعجابه بتلك الخطوط والوسائل الدموية التي ابتدعها ودبرها شيزاري للبطش بخصومه من الأمراء والقادة وقتلهم غدراً وغيلة. ومن ثم كان ذلك الطابع الاسود الذي ما يزال يدمغ (السياسة المكيافيللية) إلى عصرنا. بيد أنه من الحق أن يقال أن المفكر الإيطالي يبدي في صوغ فلسفته كثيرا من القوة والبراعة وبعد النظر، وأن هذه النظريات والمبادئ التي قد يحكم عليها من الوجهة النظرية الخالصة، كانت وما زالت على كر العصور قوام السياسات الظافرة، وما تزال إلى يومنا عنوان السياسة العملية القوية.
(٢)
يتناول ابن خلدون كما قدمنا موضوع الدولة والملك بإفاضة ويبحثه من نواح أوسع وأبعد مدى، ويتفوق على مكيافيللي تفوقا عظيما في معالجته من الناحية الاجتماعية. ويلتقي