فأصابهم من بطش السلطان وتعقبه ما لم يصب أولئك العابثين.
وكانت الملكية في الدول الإسلامية أحياناً تشجع التهاجي بالمقذغات بين الشعراء شغلاً لهم وللجمهور عن شؤون السياسة وظل بشار يتحدى عقائد الناس ويسخر من فضائلهم وينال من أعراضهم وهو آمن معافى، حتى تطاول على عرض الخليفة ذاته فكان في ذلك تلفه. ولما لم يكن للناس من قوة الرأي العام حارس ومدافع، عمد من استطاع منهم بحول أو مكيدة إلى الانتقام بنفسه ممن تعرض له بالفحش، فلقي كل من المتنبي وابن الرومي حتفه على يد مهجوه. هكذا استفحل المنكر في المجتمع والإباحة في الأدب من اثر ذيوع الترف وتحكم الملكية المطلقة، رغم أن المجتمع كان مجتمعاً إسلامياً والدولة كان أساسها دينياً، وكان الأجدر أن أدباً يزدهر في ظل الدين الإسلامي الحنيف، يكون اعف الآداب لفظاً وأشرفها قصداً.
وقد تقدم القول إن سريان ذلك الفساد في كيان المجتمع الإسلامي عقب الفتوح أدى إلى انحطاط المرأة واختفائها من المجتمع، وكان ذلك من دواعي انتشار هجر القول في الأدب فان وجود المرأة في المجتمع عامل تجمل وتوقر وتعفف في المسلك والمقال، وهو عامل سعد به الأدب الإنجليزي فكان من أسباب تساميه الخلقي، وظلت النظرة إلى المرأة في الإنجليزية سامية عفيفة، وظلت صحبتها منبع وحي وداعية تكرم لدى الأدباء، وقد قال ستيل عن صاحبة له فاضلة إن محادثتها هي ثقافة قائمة بذاتها
فالأديب الإنجليزي لا يتمدح بالمحامد ولا يجاهر بالمباذل، لأن طبعه لا يستسيغ هذا ولا ذاك، ومجتمعه لا يقبلهما منه، ثم هو لا يهجو غيره ولا يفحش في الهجاء. وإنما يصور أخلاق أفراد المجتمع بما فيها من فضائل ومعايب، ويتهكم بالمنشدقين بالفضائل والمتظاهرين بالعلم أو بالثروة أو بالعظمة، أي بالمسرفين في كل شئ المجاوزين حد القصد والاعتدال، والتوسط الذي هو خير الأمور، فالاعتدال شعار الإنجليزي في مسلكه وفي أدبه، والتطرف يثير سخره واحتقاره، وهذا الميل منه واضح في مواضيع الأدب الفكاهية، وضوحه في أغراضه الجدية