بالمحامد والمكارم ليس يعجب الذوق الإنجليزي الذي يؤثر الصمت ويفضل العمل على القول، ومن ثم لم تنفق أخلاقيات تنيسون وإضرابه بين صفوة المثقفين، بل كانت من أسباب خمول ذلك الشاعر بعد وفاته؛ والتمادي في التحدث بالشهوات بعيد كذلك عن طبع الإنجليزي والاجتراء على قواعد الفضيلة ومراسيم الحشمة وتقاليد المجتمع لا يحظى منه بغير الإنكار والإعراض، ومن ثم ثار بالمتهورين من الشعراء والكتاب أمثال بيرون وشلي واوسكار وايلد، فالجأ الأولين إلى حياة المنفى وزج الثالث في غيابة السجن، ولم تشفع لهم لديه مواهبهم الممتازة ولا صيتهم خارج إنجلترا، بل قد يغلوا المجتمع الإنجليزي في الغيرة على تقاليده إلى حد يسميه بعض الناس نفاقاً اجتماعياً، فيغضب على أدباء كرام سليمي الطوية، كما غضب على هاردي ولورانس من القصصيين المحدثين
فالطبع الإنجليزي يأبى أن يكون الأدب مطية للتفلسف الخلقي والفخر الطنان، كما يأبى أن يكون الأدب معرضاً للتبذل والتوقح، وإنما رسالة الأدب الإنجليزي التي ورثها عن الأدب الإغريقي هي الجمال والشعور الصادق، يحوط ذلك جو من الوقار والتسامي كان يعوز حتى الأدب الإغريقي ذاته أحياناً؛ وإنما احتفظ الإنجليز بصفات الرجولة والرزانة تلك لأنهم - فضلاً عن طبيعتهم الهادئة التي هي وليدة جوهم البارد - لم ينساقوا في تيار من الترف الموبق بانتشار فتوحهم وترامي أملاكهم، كما فعل غيرهم من الأمم التي شادت الإمبراطوريات في عصور التاريخ، لان تشييد الإمبراطورية البريطانية جاء تدريجياً هادئاً كالنمو الطبيعي، وبنجاة الإنجليز من مفاسد الترف والثروة المفاجئة سلمت لهم أخلاقهم القويمة.
أضف إلى ذلك تمتعهم بالحكم الديمقراطي، أي بحكمهم أنفسهم وخضوع الشعب لمشيئة الشعب وحدها، مما جعل للرأي العام الكلمة العليا في المحافظة على الأخلاق والذب عن تقاليد المجتمع إذا تحداه متحد وقع عليه الغرم المادي والأدبي وطاشت دعوته قبل ان يتأثر بها سواه؛ على حين كان الرأي العام في الأمم الإسلامية ضعيفاً مستخذياً أمام جبروت الملكية المطلقة، فكان أفاضل القوم ينقمون على حركات الاستهتار في المجتمع وآثار المجون في الأدب، ولكنهم كانوا مغلولي الأيدي لا يستطيعون عن عقيدتهم دفاعاً، وألف بعضهم حيناً جمعيات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والضرب على أيدي العابثين