على إني أسارع إلى القول بان مدلول عبارة الديمقراطية قد اتسع اليوم نطاقه بحيث اصبح يشمل النظم الاجتماعية والاقتصادية فوق اشتماله على النظم السياسي. ولو شئنا أن نستغني بالأجمال عن التفصيل، لقلنا في كلمة: إن الديمقراطية هي النظام أو مجموعة النظم التي تحقق مبادئ الحرية والمساواة بين الناس بقدر ما يمكن أن يكون الإنسان حراً، وبالقسط من المساواة الذي لا يصطدم مع النواميس الطبيعية
ورأيت الناس مشغوفين كلفين بالديمقراطية حتى لأجدهم يسرفون في استعمالها فيقولون الأدب الديمقراطي، والفن الديمقراطي؛ بل أراهم لا يقتصون في التبرع بها حتى يخرجوا بها عن معناها الأصلي، فالرجل المتواضع في عرفهم رجل ديمقراطي، وان كان للديمقراطية من ألد الخصام
عرف أرسطو الديمقراطية بأنها نظام الحكم الذي تنتقل السلطة فيه إلى أيدي طائفة من المواطنين الأحرار المتساوين عند طبقة الأرستقراطية
يخلص لنا من هذا التعريف إن الحرية والمساواة هما الدعامتان اللتان يقوم عليهما صرح الديمقراطية.
إن من ينعم النظر في أقوال أرسطو يجد إن حكيم اليونان كان متبرماً بالنظام الديمقراطي في عصره، لا لأنه كان يتنكر لمبادئ الحرية، أو يخاصم تعاليم المساواة، أو يضيق صدراً بتوسيع دائرة اشتراك الشعب في إدارة شؤون الدولة، بل لان النظام الديمقراطي في عهده قد ساء حتى تردت اليونان في هاوية الفساد والفوضى
كلما اتسع أفق المعارف الإنسانية، شعر الناس بالكرامة وأحس العقل البشري بالعزة، فتطلعوا إلى تحقيق المثل العليا، وطمحوا إلى توسيع قاعدة اشتراكهم في إدارة دفة الشؤون العامة، والهيمنة والإشراف على أمور الدولة، لذلك كان النضال حاداً عنيفاً بين الشعوب الطامحة إلى الحرية، والطغاة المستبدين الذين يصدونهم عن سبيلها، والتطاحن شديداً بين طبقة الأشراف التي تنعم بالامتيازات، وطبقات الشعب التي تتطلع إلى تحقيق مبادئ المساواة. وإذن فمن الحق أن يقال: إن تاريخ الديمقراطية هو تاريخ الحضارة الإنسانية
وما انصف كارل ماركس الحقيقة والتاريخ حين صاح بان البطون هي مصدر الانقلابات في كل أدوار التاريخ، وان الناس حين هبوا يسفكون دماءهم، ويزهقون أرواحهم، فإنما