كانت هبتهم للخبز لا للحرية، وفورتهم في سبيل أغراض مادية لا لتحقيق المثل العليا والسعي وراء الكمال الإنساني
وما انصف من قبله بعض قادة الفكر في روما حين قالوا بان الشعب الروماني يجتزئ بالخبز والملاهي عن الحرية السياسية والاشتراك في تسيير أداة الحكم
وإذا كان قد أتيح لفريق من الرومان أن يقولوا ساخرين متهكمين: لدى الشعب أصوات انتخابية وليس لديه خبز؛ فقد كان ذلك من جراء فساد النظم، وانحطاط أداة الحكم، لا من جراء مسخ الطبيعة البشرية
تميز تاريخ روما القديمة بسلسلة من المناضلات متصلة الحلقات بين جماعة الأشراف وطبقات الشعب لتحقيق مبادئ المساواة
على أن تربة روما لم تكن صالحة لنمو بذور الديمقراطية، وكلما اتسع ملك الرومانيين وبسطوا سلطانهم في الأرض طلقوا مبادئ الديمقراطية واعتنقوا روح الاستعمار، وأقاموا بناء إمبراطوريتهم على الغلبة والقهر، وأصبحت الأمم المغلوبة على أمرها أسلاباً تقتني وضياعاً تستغل
كان المسلمون إذا فتحوا أمة تركوا لأهلها حرية العقيدة وحرية العبادة وخلوا بينهم وبين أملاكهم، وضمنوا لهم أمنهم وأرواحهم وسووا بينهم في المعاملة وهتفوا فيهم بذلك المبدأ القويم: لهم مالنا وعليهم ما علينا
وكذلك كان الإسلام كلما دخل أمة حمل معه بذور الإخاء والمساواة.
أود أن أضع تحت الأنظار صورتين متباينتين لامة اليونان القديمة، وأمة العرب قبل بزوغ فجر الإسلام، لتروا بأعينكم وتلمسوا بأيديكم، إلى أي حد وفق دين الهدى والحق إلى صبغ جزيرة العرب بالصبغة الديمقراطية وطبع أهلها بطابع المساواة
كانت اليونان القديمة بطبيعة تكوينها ومزاج أهلها مهداً صالحاً للديمقراطية، فقد كانوا يقيمون بالمدن ولا مشاحة في أن المدن هي مواطن الديمقراطية. وكانت ميول اليونانيين متجانسة، ومشاعرهم منسجمة، ومصالحهم متحدة، غير متنافرة تجمعهم ذكريات تاريخية مشتركة، وتؤلف بين قلوبهم مثل عليا واحدة
على النقيض من ذلك تماماً تجد سكان الجزيرة: فقد كان العرب يسكنون مضارب الخيام،