للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وانقسموا إلى شيع وقبائل. وكانت أهواؤهم متفرقة، ومصالحهم متنافرة. بل كانت المنازعات بينهم سلاسل متصلة الحلقات، والحروب متواصلة الضروب

ومن ينكر اعتزاز العرب بالعصبية؟!

ومن ينسى تطاولهم بالأحساب والأنساب؟!

ومن ذا الذي لم يملأ سمعيه بأخبار مفاخرتهم ومكاثرتهم ومنافرتهم؟!

فأنت ترى من هذه الصورة أن جزيرة العرب لم تكن المهاد الصالح لنموا شجرة الديمقراطية، والعرب لم يكونوا القوم المستعدين لإساغة تعاليم الديمقراطية وهضمها

وجاء الإسلام فنشر راية الديمقراطية، وبث مبادئ الأخاء والمساواة، لا لأن الجو كان مهيئاً لها، ولا لأن العقول كانت مستعدة لهضمها، ولا لأن الإسلام شاء ان يتمشى مع العرب في رغباتهم، ومنازع نفوسهم ليصم الأولياء، ويكسب الأنصار، ولكن الإسلام جاء فألقى بذور الديمقراطية، لأنه دين الفطرة، لأنه دين الإنسانية الطامحة إلى الكمال، لأنه الدين الذي اخذ نفسه ببث احكم المبادئ، وغرس أقوم الأحكام.

اجل، لقد حمل الإسلام راية الأخاء وأهاب باتباعه: إنما المؤمنون اخوة. والمؤمنون بعضهم أولياء بعض: وعبيدكم الذين هم ملك يمينكم إخوانكم في الدين.

نعم، لقد رفع الإسلام لواء المساواة، وأذن في أنصاره: لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، والناس سواسية كأسنان المشط.

ولم يقف الإسلام عند حد تلقين اتباعه مبادئ الإخاء والمساواة نظرياً، بل راضهم عليها عملياً، فشرع لهم الأحكام القائمة على الإخاء والمساواة، واراهم القدوة الصالحة، والأسوة الحسنة، فطبعت قلوبهم على الإخاء، وأشربت نفوسهم حب المساواة، حتى صاح أعرابي في وجه عمر صيحته التاريخية الخالدة، ولم يتعثر، ولم يتلجلج: لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا.

انطفأت شعلة الديمقراطية في عصور الظلمات في أوربا، وخبا نور الحرية، واندثرت معالم المساواة، وانشطر المجتمع الأوربي إلى ثلاث طبقات: فريق الأشراف، وجماعة الاكليروس، وطبقة الشعب. وكان التاريخ الغربي صفحة دامية من النضال بين الشعوب المهضومة الحقوق والطغاة المستبدين الذين يتنكرون لتلك الحقوق فينكرونها. واتصل

<<  <  ج:
ص:  >  >>