وقوة حزم وعزم، بل أراد أن ينزل على رأي المسلمين فيمن يصلح لتولي القيادة؛ وأراد أن لا يضيق دائرة الاستشارة أو يقصرها على فريق دون فريق، فاستشار العامة والخاصة معاً، فأما العامة فأشاروا عليه أن يكون بنفسه على رأس الجيش إذ كان الناس اشد تعلقاً به، واكثر طاعة له. وأما الخاصة فأشاروا عليه بان يسلم القيادة لغيره وان يبقى هو بالمدينة ضناً بحياته وحرصاً على بقائه يدير دفة الشئون. ثم ارتأوا أن يكون سعد بن أبي وقاص على رأس الجيش، فنزل عمر على إرادتهم وولاه القيادة.
وضع الإسلام دعائم الحكم النيابي وطبق أبو بكر وعمر مبدأ الشورى تطبيقاً دقيقاً.
لكن وا أسفاه ما لبثت دولة بني مروان أن احتك خلفاؤها بالفرس والروم فرأوا مبلغ تسلط الحكومة على الرعية، وإذعان المحكومين لسلطان الحاكمين، فجنحوا للاستبداد، وضربوا بمبدأ الشورى عرض الأفق، ذلك بان النفس البشرية نزاعة إلى الاستبداد بفطرتها، وللبيئة في طبع النفوس بطابعها اثر أي اثر.
ولو أن بني مروان لم ينزعوا إلى الاستبداد لما وجدت دعاية بني العباس ضدهم سميعاً ولا مجيباً
كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله عليّ ذبحها، وقال آخر: عليّ سلخها، وقال ثالث: عليّ طبخها. فقال صلى الله عليه وسلم: وعليّ جمع الحطب. فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك ذلك، فقال قد علمت ولكني اكره أن أتميز عليكم، فان الله يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه؛ وقام فجمع الحطب
ولا أريد أن اشوه جلال هذا المثل الرائع بمحاولة التعليق عليه ولما استقرت الخلافة إلى أبي بكر، وذلك سنة إحدى عشرة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم، فان أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني
ومما يروى عن زهده ورضاه بالكفاف من العيش إن زوجته اشتهت حلواً. فقال: ليس لنا ما نشتري به. فقالت: أنا استفضل من نفقتنا في عدة أيام ما نشتري به. قال: افعلي، ففعلت ذلك، فاجتمع لها في أيام كثيرة شئ قليل، فلما عرفته ذلك ليشتري به حلواً أخذه فرده إلى بيت المال. قال: هذا يفضل عن قوتنا، واسقط من نفقته بمقدار ما نقصت كل يوم وغرمه لبيت المال من ملك كان له