محرراً من عبودية الأرباب ومن سعادة المستبدين، بعيداً عن الآلهة والمتعبدين وعن الخوف ومنزليه في القلوب، ذلك ما يصبو رجل الحق إليه. وما عاش رجال الحق إلا في القفار يسودونها بانطلاق تفكيرهم في مجالها الوسيع. وهل في المدن إلا مشاهير الحكماء يتناولون خير الغذاء كذوات الضرع تغذى لتحلب. ويجرون عجلة الشعب وقد كُدنوا بها كالحمير
وما أنا بالناقم عليهم ولكن ليعلموا أنهم خدم مشدودون إلى عجلة وما يرفع من ذلهم توهج الذهب على العجلة التي يجرونها
ولطالما أخلص هؤلاء الناس في خدمتهم فاستحقوا الثناء لأن الحكمة تقضي بأن يفتش الخادم عن سيد يستفيد من خدماته
لقد وجب أن يتسامى عقل سيدك وتعلو فضيلته لأنك بهما تعلو أنت
والحق أنكم قد علوتم بارتقاء عقل الشعب وفضيلته، أيها الحكماء الخادمون للشعب كما اعتلى هو بكم. وما أعلن هذا لتمجيدكم، فإنكم قد بقيتم أنتم شعباً حتى في فضائلكم، وما تزالون شعباً لا بصيرة له، ولا يدرك للعقل معنى
إنما العقل حياة تمزق الحياة تمزيقاً، وما تزداد الحياة معرفة إلا بما تتحمل من آلام، فهل كنتم لهذه الحقيقة عارفين؟
لا يسعد العقل إلا إذا مسح بالدموع وتوج بالتضحية فهل كنتم لهذه الحقيقة عارفين؟
إن عماء الضرير وتلمسه لطريقه إنما هو شهادة لقوة الشمس، التي حدق بها فهل كنتم لهذه الحقيقة عارفين؟
على طالب المعرفة أن يتعلم البناء باستخدامه الجبال حجارة لإقامة صرحه، وما يصعب على العقل أن ينقل الجبال، فهل كنتم لهذه الحقيقة عارفين؟
إنكم لا تلمحون من العقل إلا ما يقذف به من شرر، فلا تعرفون، أي سندان هو هذا العقل، ولا تعرفون أيضاً قساوة المطرقة التي تتهاوى عليه
والحق أنكم تجهلون كبر العقل ويصعب عليكم احتمال تواضعه لو أراد تواضع العقل أن يعلن حقيقته
إنكم ما تمكنتم في أي زمان من إرسال عقلكم إلى مهاوي الثلوج، فما بكم الحرارة الكافية