للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لاقتحامها، ولذلك لا تدركون لذة من تنعشه لفحات هذه المهاوي، غير أنني أراكم بالرغم من هذا تقدمون على مداعبة التفكير، وقد جعلتم الحكمة ملجأ ومستشفى للمتشاعرين. . .

لستم عقباناً أيها الحكماء المشتهرون، فأنتم إذاً لا تدركون ما يلد العقل من لذة في ارتياعه، فلا يحق لغير المجنح أن يخترق الهواء فوق الوهاد

ما أنتم إلا فاترون أيها الحكماء، وفي كل معرفة عميقة يهب تيار من الصقيع لأن ينابيع العقل الخفية باردة كالثلج ولا تلذ ببردها غير الأيدي الملتهبة بحرارة جهادها

إنني أراكم أمامي أيها الحكماء المشتهرون ملفعين بقساوتكم جامدين على غروركم فما للريح أن تدفعكم ولا للإرادة أن تهيب بكم إلى الإقدام

أما رأيتم على مضطربات الأمواج شراعاً خفاقاً يندفع وقد عصفت في ثنياته هوجاء الرياح. إن حكمتي تجتاز العمر خافقة كهذا الشراع وقد ملأتها عواصف التفكير، تلك هي حكمتي الشاردة النفور. فهل لكم أن تجاروني في اندفاعي أنتم يا من تخدمون الشعب، أنتم مشاهير الحكماء

هكذا تكلم زارا. . .

نشيد الليل

لقد أرخى الليل سدوله فتعالى خرير المياه المتدفقة، ولنفسي أيضاً ينبوعها المتفجر

لقد أرخى الليل سدوله فتعالت الأناشيد من أفواه جميع المغرمين، وما روحي إلا نشيد من هذه الأناشيد. إن في داخلي قوة ثائرة تريد إطلاق صوتها وهي شوق إلى الحب بيانه بيان المغرمين. أنا نور وليتني كنت ظلاماً، وما قضي عليّ بالعزلة والانفراد إلا لأنني تلفعت بالأنوار. ولو أنني كنت ظلاماً، لكان لي أن أتعلق بإسداء النور فأنقع من درها غلتي، لكان لي أن أرسل بركتي إليك أيتها النجوم المتألقة كصغيرات الحباحب في السماء إذ أتمتع بما تذرين عليّ من شعاع. غير أنني أحيا بأنواري فأتشرب اللهب المندلع من ذاتي وقد حرمت لذة الآخذين، وقد خطر لي مراراً أن في السرقة من اللذة ما ليس في الأخذ.

إن يدي لا تقف عن البذل وذلك هو فقري فأنا أنظر أبداً إلى العيون يملأها الانتظار وإلى الليالي تلهبها الأشواق، وذلك هو الحسد الذي يقض مضجعي

يا لشقاء الواهبين. . . يا لظلمة شمسي ويا لشوقي إلى الاشتياق ويا لشدة المجاعة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>