للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شبعي

إنهم يأخذون ما أهبهم ولكنني أبقى بعيداً عن أرواحهم فإن بين الباذل والآخذ هوة عميقة، ولعل أقرب الأغوار قعراً أصعبها ردماً

إن نوعاً من الجوع ينشأ في أحشائي فيحفزني إلى إيلام من أرسل إليهم أنواري. فأتوق إلى سلب من أغدق عليهم هباتي وهكذا أتعطش إلى إيقاع الأذية فأرد يدي بعد أن أكون مددتها وأتردد تردد الشلال في تدفقه نحو مراميه

إن مثل هذا الانتقام يراود عظمتي، ومثل هذا المكر ينشأ من عزلتي

لقد فقدت السعادة في العطاء لوفرة ما أعطيت وقد زهقت فضيلتي من نفسها ومن جودها، إن من يستمر على بذل الهبات مهدد بفقد الحياء. ولابد أن تتصلب راحته ويتصلب قلبه.

لم تعد مآقيّ تذرف الدموع على خجل المسترحمين وها إن يدي قست حتى امتنع عليها أن تشعر بارتعاش الأيدي إذا امتلأت.

أين هي دموع عيني وأين رقة قلبي. فيا لوحدة جميع الواهبين ويا لصمت كل متلفع بالسناء.

إن شموساً لا عداد لها تدور في قفار الأجواء مخاطبة بإشعاعها لبدات الظلام وأنا وحدي محروم من حديث هذه الشموس وبيانها.

ويلاه! أية علاقة يمكن أن تربط الأنوار بالأجرام المنيرة من نفسها؟ فإن الأنوار تمر عليها وهي تحدجها بلفتات الجفاء وتمضي ذاهبة في سبيلها، وهكذا تسير جميع الشموس في أجوائها نافرة من كل جرم منير باردة لا تحس أخواتها بحرارتها.

إن الشموس تندفع كالعاصفات في أبراجها متبعة ما اختطته إرادتها الجبارة وفي ذلك كتمان حرارتها وبرودتها.

هل غيرك أيتها الأجرام الملفعة بظلام الليل من يخلق حرارة من اللمعان؟ أنت وحدك ترضعين أفاويق القوة من أنداء النور.

ويلاه إن الصقيع يدور بي ويدي تحترق من لفحات الجليد، فأنا مشتعل بسعار لا يطفئ أواره غير عطشكم، لقد سادت الظلمة فلماذا قضي عليّ أن أكون نوراً منفرداً متعطشاً إلى الظلام؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>