ولنذكر بأنه أنار سبيلاً جديدة سيسلكها صادة المكروب لا محالة من بعده يبحثون فيها مثله عن رصاص جديد يطلقونه على مكروب جديد
وليس هذا بالأمل البعيد أو الأمنية الخائبة. فقد بدت فعلاً تباشير ما نرجوه من بعد إرليش. فإن قوماً بحاثاً من غير ذوي النباهة وذائعي الصيت قاموا في مصانع الأصباغ بمدينة إلبرفلد يترسمون خطى الأستاذ الأكبر، وبعضهم من أعوانه الأقدمين، فكدوا وكدحوا كما كانوا في خدمته يكدون ويكدحون، حتى وقعوا على عقار جديد غريب أبدعوه إبداعاً. وقد احتفظوا بسر تركيبه، وأسموه (باير رقم ٢٠٥) ٢٠٥. وهو مسحوق عادي المظهر لا يهولك منه شئ، ولكنه يشفي من مرض النوم الذي ينتهي دائماً بالموت في بلاد روديسيا وبلاد نياسا بأفريقيا. وإن كنت لا تزال تذكر فهو الداء الذي كافحه الرجل الجلد دافيد بروس آخر كفاح في حياته، وارتد عنه مغلوباً. فهذا العقار يفعل في خلايا الجسم وسوائله أفعالاً لو سمعتها لحسبتها خرفاً أو خيالاً. ولكن أحسن ما في الحسن منها أنه يقتل المكروب قتلاً، وأنه يقتله قتلاً دقيقاً جميلاً كاملاً شاملاً لو سمع به إرليش لتحركت أشلاؤه في قبره سروراً واغتباطاً. فإن كان في المكروب ما لا يقتله، فهو على الأقل يحُد من نشاطه ويقلم من أظفاره فيجعله أنيساً مأموناً. على أن حكاية هذا العقار لم تختتم بعد فلندع للأيام ختامها
وإني لواثق وثوقي بطلوع الغد بأن المستقبل كفيل بخلق صادة للمكروب غير من ذكرنا يطلعون على الناس برصاصات غير ما وصفنا، ستكون أكثر سلاماً على الإنسان وأشد حرباً على المكروب وأفتك بكل جرثوم خبيث شديد المراس حكينا حكايته في هذه القصة فلنذكر إرليش بأنه فاتح هذا الباب وأول سالك لهذه الطريق
وقبل أن أختم هذه القصة أجد في صدري سراً لابد من فضحه قبل الختام: ذلك أني أحب صادة المكروب هؤلاء، من لوفن هوك إلى إرليش، ليس على الأخص للكشوفات التي كشفوا، ولا للنعم الجليلة التي بها على البشرية أنعموا، ولكني أحبهم على الأكثر لأتهم رجال أي رجال، أحبهم لرجولة جميلة فيهم سأظل أذكرها لكل فحل منهم ما استطاعت ذاكرتي وعياً
ولهذه الرجولة الجميلة أحببت إرليش. كان إرليش رجلاً مِغراماً ممراحاً يحمل أوسمته معه