هؤلاء من ينشئ المتجر ثم يكله إلى أجنبي ينظمه ويرتبه، تجد في أولئك من يؤلف الكتاب ثم يدفعه إلى نحوي يعربه ويهذبه. ولا نجد في تاريخ العربية قبل هذا العصر، ولا في تاريخ اللغات في جميع العصور، من يحسب نفسه أديباً في لغة وهو لا يعرف منها إلا ما يعرفه العامي الألَف. والغرور المتبجح والادعاء السفيه لا يستطيعان أن يحملا الناس على أن يقرءوا السخف، ولا الزمن على أن يبقي على الضعيف.
إن رسالة الأدباء كرسالة الأنبياء فيها عبقرية وجلالة وسمو. فإذا لم يكن الكاتب أو الشاعر خليقاً أن يسيطر على العقول والميول بمكانه في العلم وسلطانه في الأدب ورجحانه في الرأي كان أشبه بمن يدعي النبوة في مكة، أو بمن يمارس الشعوذة في لندن!
إن المدارس المصري تعلم اللغة على منهاج غير واضح، والجامعة المصرية تبني الأدب على أساس غير صالح، والجامعة الأزهرية لا تزال تنفض البلى عن كتب ملتاثة التعبير من مخلفات العجمة، إن صلحت لشيء فلن تصلح لتعليم البلاغة. فليت شعري إذا خلت أمكنة هؤلاء النفر الذين نبغوا بالاستعداد والاجتهاد كيف تكون حال الأدب الرفيع في مصر؟ أيذهبون وبُطئان ما يُعوضون على رأي الأستاذ احمد أمين، أم يذهبون وسرعان ما يُخلفون على رأي الأستاذ العقاد؟