التي تتبع في خلاله من جهة أخرى، ولا نغالي إذا قلنا: إن (الغايات) في هذا الشأن تكون أهم من (الطرق) بوجه عام؛ لأن (الطريقة تتبع الغاية وتخضع لمقتضياتها) بطبيعة الحال.
هذا، ومما تجب ملاحظته في هذا الباب أن تعليم أي علم من العلوم لا يمكن أن يشمل ويستوعب جميع الحقائق المكتشفة والمقررة في ذلك العلم، حتى في الدراسات العالية. فكل تعليم يضطر - بطبيعة الحال - إلى انتخاب بعض الحقائق والاهتمام بها أكثر من غيرها. فنستطيع أن نقول لذلك: إن التعليم يتضمن شيئاً من الانتخاب؛ فجودة التعليم تتوقف على حسن الانتخاب؛ ولا جدال في أن حسن الانتخاب لا يتيسر إلا بموازنة الفوائد التي يمكن الحصول عليها من تعليم كل بحث من الأبحاث، من جميع الوجوه العلمية والتربوية. ولا شك في أن هذه (الموازنة) توسع مجال عمل (الغايات في التعليم) توسيعاً كبيراً.
وأما نوع التربية الذي يستهدف والتأثير الذي يتوخى من تعليم كل علم من العلوم، فيختلف باختلاف العلوم من جهة، وباختلاف درجات التعليم من جهة أخرى. فالفوائد العلمية والأهداف التربوية التي تستهدف في تعليم الرياضيات مثلاً تختلف عما يتوخى من تعليم الطبيعيات والاجتماعيات. كما أن الغايات التي تقصد في تعليم هذه العلوم في المدارس الابتدائية، تختلف عما يقصد منها في تعليمها في المدارس الثانوية والعالية.
ونستطيع أن نقول بوجه عام: أن دور الغايات التربوية في التعليم يتضاءل كلما ارتفعت درجة التعليم؛ ومع هذا فإن التعليم العالي نفسه لا يتجرد عن الغايات التربوية تماماً، فإن هذا التعليم أيضاً لا يكتفي بسرد الحقائق وحدها، بل يستهدف في الوقت نفسه تعويد الطلاب على (التعلم من تلقاء أنفسهم)، بمراجعة المصادر وجمع الوثائق وملاحظة الوقائع واستقراء الحوادث. . . حسب ما تقتضيه طرائق البحث العلمي والدرس الذاتي. .
وأما التعليم العالي الذي لا يقوم بهذه المهمة خير قيام، فإنه يكون مقصراً في واجباته الأساسية، مهما توسع في سرد الحقائق وتوغل في شرح الأبحاث:
فلا نغالي إذا قلنا: أن التعليم لا يصبح مقصوداً بالذات، إلا في الدراسات العليا الاختصاصية وحدها.
- ٢ -
إن ما قررناه آنفاً في شأن (العلم والتعليم) ينطبق على أمر (التاريخ وتعليم التاريخ) بطبيعة