الخليفة الفاطمي تحاط بطائفة من الرسوم والمواكب الباذخة؛ ولما قدم المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين إلى مصر سنة ٣٦٢هـ، بعد أن افتتحها قائده جوهر الصقلي قبل ذلك بأربعة أعوام (سنة ٣٥٨هـ) لم ترتب إجراءات خاصة لإعلانه خليفة أو ملكاً على مصر، لأن المصريين ارتضوه على يد زعمائهم وأعيانهم خليفة وملكاً عليهم عند الفتح حينما قدموا خضوعهم لنائبه وممثله جوهر، وقطع جوهر الدعوة العباسية، وبدأت الدعوة للخليفة الفاطمي؛ بيد أنه حينما وصل المعز إلى الإسكندرية في شعبان سنة ٣٦٢هـ، استقبله أعيان مصر وعلى رأسهم قاضيها الأكبر وجددوا له مراسيم الخضوع والبيعة، وقصد المعز بعد ذلك إلى القاهرة ونزل بالقصر، وبدأ عهده في الحكم والولاية في اليوم الخامس عشر من رمضان، إذ جلس بالقصر على عرشه الذهبي الذي أعده له جوهر في الإيوان الجديد، وأذن بدخول الأشراف ثم الأولياء وسائر وجوه الناس، وكان القائد جوهر قائماً بين يديه يقدمهم إليه فوجاً بعد فوج فيأخذون له البيعة والعهد، وعلى هذا النحو نظمت مراسيم التتويج لأول خليفة فاطمي بمصر.
ومنذ عهد العزيز بالله ولد المعز لدين الله تتخذ رسوم التتويج الفاطمية صورها الباذخة، وكانت هذه الرسوم تجري أولاً في القصر الفاطمي في الإيوان الكبير ثم بعد ذلك في قاعة الذهب التي أنشأها العزيز بالله، وجددها المستنصر بالله فيما بعد، وكان بها عرش الخلافة، وبها يجلس الخليفة أيام المواسم العامة، ويجلس للركوب يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وبها كان يقام سماط العيدين، وسماط رمضان للأمراء، وكانت تعرف بقصر الذهب. وكانت مبايعة الخليفة الجديد تجري في حفل عام يرتبه مدبر الدولة أو كبير الوزراء أياً كان لقبه، وصاحب الباب أو حاجب الحجاب وهو اكبر رجال القصر، والسفهسلار أو القائد العام للجيش، وذلك بالاتفاق مع قاضي القضاة، وهو في العرف السياسي أعظم رجال الدولة مقاماً ونفوذاً
وكان ينادي بالخليفة الجديد عقب وفاة سلفه مباشرةً؛ ولا فرق في ذلك أن يكون الخليفة الجديد صبياً أو بالغ الرشد؛ ويقع هذا الإجراء الأول بالقصر أو حيث كانت وفاة الخليفة الذاهب، ويتولاه أعظم رجال القصر نفوذاً أو قاضي القضاة ثم يعقبه إجراء البيعة العامة بالإيوان الكبير وهو أيضاً من منشآت العزيز بالله، وجرت فيه بيعة الحاكم بأمر الله فابنه