فهذا الطور الثاني من تاريخ المرأة العربية مضاد للطور الأول سارت فيه مكانتها إلى انحطاط مستمر، وبدا أثر ذلك الانحطاط في أدب ذلك العصر: اتسم بالإفحاش والإقذاع، وضعف وحل التقليد فيه محل الابتكار، والزخرف اللفظي محل الشعور العميق وأصبح النسيب فيه إما بذيئاً شهوانياً كأشعار بشار. وإما تقليدياً وهمياً أجوف كاستهلالات البحتري، وشبب بعض المجان بالذكور، وتفنن بعض الكتاب كابن دريد في أحاديثه وصاحب كتاب محاسن الأضداد، والأصبهاني في أغانيه في إيراد القصص الشهوانية والنوادر التي تبدو فيها المرأة متاعاً ينهب، أو مخلوقاً نزقاً خائناً متقلباً؛ ولم تنبغ في الأدب امرأة يعتد بآثارها، وإذا كانت القيان قد ألهمن الشعر كثيراً من الشعراء، وكانت منتدياتهن مجمعاً للأدباء، فما أنتج ذاك كله إلا أدباً شهوانياً فاتراً هزيلاً، وبعد أن كان الشاعر في الطور السابق يتمدح بتبجيل المرأة، ويتقرب إليها بالمكارم (لنحمد يوماً عز شمائله) كما قال كثير أصبح النيل منها والإغراء بها والتهكم بطباعها من هم بعض الشعراء، قال بشار:
عسر النساء إلى مياسرة ... والصعب يسهل بعد ما جمحا
وقال غيره:
وإن حلفت لا يخلف النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين
وهكذا حرم الأدب العربي إلهام المرأة السامي الجميل، وما أقل ما بقي من منادح القول لأدب حرم ذلك الإلهام! وجاء شعر فحول العربية في أوج ازدهار الأدب خلواً من تاريخهم الغرامي الصحيح؛ فهل كان لأبي تمام والبحتري والمتنبي غرام صادق عميق، صهرت في تنوره نفوسهم، وتكشفت لهم الحياة من خلاله عن عوالم جديدة من الإحساس والتفكير. إن أثر ذلك معدوم في شعرهم، وليس في شعرهم إلا النسيب التقليدي الاستهلالي المملوء بذكر هند ودعد، والكثبان والأغصان، والأطياف والمدامع؛ لا يثير في نفوسهم هذه العواطف العجيبة إلا الطمع في عطايا الممدوحين، أما النسيب المستقل بكل القصيدة المقصود لذاته فليس هناك. وبلغ من موت العلاقة السامية بين الرجل والمرأة أن المتنبي نفسه كان لا يكاد ينظم في النسيب الاستهلالي أبياتاً تحمله عليها تقاليد الصنعة حتى يبرم وتململ، فيزيح النسيب جانباً صائحاً بصاحبته المتخيلة: صلينا نصلك في هذه الدنيا، فإن مقامنا فيها قليل، فإن لم تصلي فاذهبي ودعيني أستطرد إلى ما هو أهم من أمرك من امتداح هذا الكريم ذي