العطايا الجزيلة، أو ربما انقلب على محبوبته وجنسها هاجياً، فقال إن القوافي جميعاً في بواطنه ظلام.
لم يقتصر التهجم على المرأة على ذوي المجون وعبيد الشهوات بل اتخذ سبيله إلى كتابات المفكرين، وتقنع بمظهر العلم في آثار المعري الذي صب في لزومياته جام غضبه على المرأة، ورماها بالغدر وشبهها بالأفعى، وعاد إلى تشديد الحجاب عليها ونهى عن تعليمها حتى تقويم السطور، ولا ريب أن مزاج المعري السوداوي وحياته المقفرة من حنان المرأة، ونقمته على الحياة جميعاً، كل ذلك كان ذا أثر في نظرته القاسية إلى المرأة، واعتباره إياها رمزاً للحياة في جهلها وتقلبها وغدرها، بيد أن ظروفه الشخصية التعسة هذه إنما هيأته ليكون معبراً عن أفكار عصره الذي كان يعج بالفساد والاضطراب والانحطاط الخلقي، فلا ريب أنه كان يجد آذاناً صاغية، وأنه مسؤول عن بعض ما حاق بالمرأة بعد ذلك من قهر وإهمال.
فتاريخ المرأة العربية طوران: الأول طور رقي مصاحب لسمو الأخلاق ورقي المجتمع ونهوض الدولة وازدهار العمران، والثاني طور انحطاط معاصر لقعود الهمم وتدهور المجتمع وإدبار السلطان وركود الأدب؛ أما تاريخ المرأة الإنجليزية فهو طور رقي مستمر مطرد من عهد شكسبير إلى الوقت الحاضر، ازدادت فيه المرأة حظاً من التعليم والاحترام والمساهمة في الأعمال، ولم تعترض ذلك الرقي المطرد إلا فترة رجعة في عهد الملكية العائدة من فرنسا في القرن السابع عشر، وما لبثت تلك الفترة الماجنة أن تلاشت إذ صمد لها الخلق الإنجليزي المتين، وشمر لإماطة آثار كبار الهمم من الأدباء المثقفين، وتابعت المرأة سبيل رقيها المقرون برقي الأخلاق وسيادة الآداب العامة وتقدم المجتمع.
كانت منزلة المرأة في عهد اليزابث على درجة من الرقي محسوسة وكان بنات السراة ينلن من التهذيب مثل حظ البنين، واشتهرت منهن بسعة العلم كثيرات مثل ليدي جين وليدي بيكون والدة الفيلسوف فرنسيس بيكون، وليس أدل على ارتفاع مكانة النساء في ذلك العهد من قبول الشعب اليزابث، وهي بعد في حداثتها ملكة عليه دون تردد، وإيلائه إياها من الولاء ما لم يوله غيرها من الملوك، وإظهارها هي حنكة سياسية بذت بها ملوك أوربا وساستها، ووضعت بها أساس مجد إنجلترا، وازن ذلك بما كان من ارتياع الناس في عهد