للتعبير عن خلجاتها ومشاهداتها، وملاحظاتها الدقيقة للأشخاص والأشياء؛ زد على ذلك أن المرأة تستطيع في القصة أن تعبر على لسان غيرها عن نزعات الحب وأطواره، تعبيراً لا يستساغ منها إذا هي أطنبت فيه شعراً
فالقصة أدب المرأة: ظهورها رهن برقي منزلة المرأة في المجتمع، فإذا ظهرت فحول المرأة يدور حديثها، وبين النساء تلقى الرواج والإقبال، وفيها تجد المرأة خير مجال لمواهبها الأدبية، ومن ثم أنتجت المرأة الإنجليزية في فن القصة خير إنتاجها الأدبي، أما المرأة العربية فأخرجت أحسن آثارها في الشعر في طورها الأول، فلما تطور المجتمع العربي وجاء أوان ظهور القصة الاجتماعية، كانت عوامل الفساد سالفة الذكر قد اجتاحت مكانة المرأة وضربت بحجاب كثيف بينها وبين المجتمع والأدب، فأقمئت القصة في بدء نموها، واستحال تطورها ورقيها، وجاءت مقامات البديع التي هي الخطوة الأولى في الأدب العربي في سبيل القصة الاجتماعية، خلواً من شخصية نسائية واحدة جديرة بالذكر، ولم يعرض الحريري إلا عجوزاً يسحبها أبو زيد في استجدائه، أو لكاعاً ينابزها وتنافسه في بذائه
ولنجاة المجتمع الإنجليزي من مثل تيار الترف الجارف الذي غمر المجتمع العربي، عقب الفتوح، ظل ذلك المجتمع رفيع الآداب قويم الأخلاق، وظل الأدب عفيف المقال، وظل النسيب شريف اللفظ والغرض، وخلا النسيب الإنجليزي مما تدرن به النسيب العربي في عصره المتأخر، من تحدث بالشهوات ووصف لأجزاء الجسم وهجاء للجنس اللطيف وتغزل بالذكور؛ فإذا حمل على المرأة خصم عنيد كملتون الذي وصمها بالنزق والختل وجعلها دون الرجل منزلة، وجعل شخصية (دليلة) في قصته الشعرية (سمسون الجبار) نموذجاً لها، أو سلك مسلك الاستهتار والتبذل كبيرون الذي كان يقرن الانقياد للشهوات باحتقار المرأة، لم يجد من حوله إلا صدى ضعيفاً لا يلبث أن يتلاشى مع صوته، ويتابع المجتمع سبيل تقاليده التي درج عليها، تقاليد الاعتدال والتعفف واحترام المرأة
فأثر المرأة في الأدبين العربي والإنجليزي جلي خطير، بيد أنه أجلى وأجل خطراً في الأدب الإنجليزي، وهو في الأدب العربي دليل ارتقاء تبعه انحطاط، وفي الإنجليزية برهان ارتقاء مطرد، في المجتمع والأخلاق والأدب، ومكانة المرأة الإنجليزية العالية في