للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهاج رجال الدين بينا أخذ رجال القضاء في التحقيق. ومشى الناس بعضهم إلى بعض يتساءلون: انتحار أم قتل؟ وكان الاتهام منصباً على رأس الوالد. وقال الذين أثاروا الشكوك حوله إنه من الهجنوت وقد حال بين ابنه وبين اعتناق المذهب الكاثوليكي. وكانت البداهة تمج هذا الاتهام وتحمي الوالد من ارتكاب هذا الجرم الفظيع. وإلا فأي عقل يسوغ أن يسفك الأب دم الابن ويشنق الشيخ الشاب

وما لبث الناس أن شهدوا في يوم ٩ مارس سنة ١٧٦٢ مشهداً هائلاً رهيباً. رأوا رجلاً جلل الشيب فوديه يساق إلى أحد الميادين العامة، ذلكم هو جان كالا، وما راعهم إلا أن يروا الشيخ المتهدم الفاني عاري الجسم مطروحاً على عجلة موثق الأكتاف متدلي الرأس. ووقف إلى جانب المشنقة ثلاثة رجال فأما الأول فطبيب ليعنى به. وأما الثاني فقس يحمل الصليب. وأما الثالث فالجلاد وبيده قضيب من حديد.

وعرت الضحية نوبة ذهول واضطراب، وتمشى الرعب في أضالعه، فما كان يرنو إلى القس بل كان يرمق الجلاد بنظراته المضطربة الحائرة، وما يلبث الجلاد حتى يهوي بالقضيب الحديد فيهشم للمسكين ذراعاً. أنين يمزق نياط القلوب يعقبه فقد الرشد. فيتقدم الطبيب فيعيده إلى الصواب بشم بعض الأملاح. فينبري الجلاد لضربة جديدة. صرخات دامية ثم غيبة عن الصواب. يعيدونه للحياة والجلاد يعاود الضرب. وإذا كان كل عضو لابد أن يكسر في موضعين فلا مفر له من تلقي ضربتين. وإذن فقد تلقى المسكين ثماني ضربات. وفي عقب الضربة الثامنة يقدم القس له الصليب ليقبله. على أن (كالا) يشيح عنه بوجهه. لو كانت الرحمة تجد سبيلاً إلى تلك القلوب المتحجرة لقلنا إن كان في نفوسهم بقية منها فقد أجهز الجلاد على (كالا) بضربة قاضية من رأس القضيب الغليظة، حطمت صدره تحطيما. وبذلك وضع حد لعذاب كالا وآلامه. إذ فاضت روحه في الحال.

دام التعذيب ساعتين كاملتين، وما إن مات كالا حتى تبين في جلاء ووضوح أن الشاب مات منتحراً. على أن جريمة قد ارتكبت ومن هم مرتكبوها؟ هم جماعة القضاة الذين قضوا على كالا بغير حق.

وفي عام ١٧٦٥ بعد ليلة عاصفة وجدوا على إفريز أحد الجسور صليباً خشبياً عتيقاً ملقى على الأرض. ومضت ثلاثة قرون والصليب معلق في رأس السور. فمن الذي طرح

<<  <  ج:
ص:  >  >>