الصليب أرضاً؟ من ذا الذي اجترأ على ارتكاب ذلك الإثم؟ لا يعلم أحد. أيكون أحد المارة هو الذي عبث به؟ أم تكون الريح هي التي عصفت به؟ ويرى الناس مطران (أميان) يرغي ويزبد، ويبرق ويرعد، ويتوعد ويتهدد بالنار كل من يعلم الحق ثم يكتمه. وهنا تتلاقى هوجاء التعصب مع هوجاء الجهالة. ولا تلبث العدالة أن تكتشف أو تتوهم أن تكتشف أن ضابطين مرا بالجسر وأنهما كانا ثملين وينشدان نشيداً حربياً؛ فأما أحدهما فيلوذ بأذيال الفرار، وأما ثانيهما (لابار) فيؤخذ بتلابيبه، فيسأل، فيعتصم بالإنكار ويقسم جهد أيمانه إنه لم يمر بالجسر. فيبدو لهم أن يسألوه عن شركائه. ولكن شركاءه في ماذا؟ أفي أنه اجتاز الجسر؟ أم في أنه أنشد وصاحبه نشيداً عسكرياً؟ ثم يعذبونه لينتزعوا منه اعترافاً فيحطمون إحدى ركبتيه. والمكلف بأخذ الاعتراف منه يهوله صوت قرقعة العظام حتى يغيب عن صوابه من عظم الهول. ثم يسوقون لابار إلى أحد الميادين العامة، وقد أذكوا في بعض جوانبها نيراناً مضطرمة. يتلون عليه الحكم. فيكسرون إحدى يديه. ثم يستلون لسانه بكماشة من حديد. ثم يرحمونه بأن يفصلوا رأسه عن جسده. ثم يلقون جثته طعاماً للنيران، وكذلك مات لابار في ربيع العمر إذ لم يكن جاوز التاسعة عشر وراح ضحية بريئة للتعصب الأعمى.
لم يقض الإسلام بإلقاء أحد طعمة للنار لمجرد الزيغ في عقيدته ولم يضطهد حرية الفكر والاعتقاد، ولم ينكل بغير معتنقيه ولم يطارد العلماء والفلاسفة بل اتسع صدره للعلم والفلسفة.
وهنا لا نرى مندوحة عن أن نبدد وهماً، فنسارع إلى القول بأن حروب الخوارج لم تكن لها صبغة دينية على الإطلاق، بل كانت حروباً سياسية بحتة.
نعم، لم يكن مثار تلك الحروب الخلاف في العقائد، وإنما أشعلتها الآراء السياسية في طريقة الحكم، وما اقتتل الخوارج مع الخلفاء لينصروا عقيدة. ولكن سعياً وراء قلب نظام الحكم وتغيير شكله.
ومن اضطرمت نار الحرب بين الأمويين والهاشميين لشيء غير الخلافة، وبذلك كانت حروباً سياسية لا دينية.
وكان المسلمون إذا هموا بفتح أمة خيروا أهلها بين الإسلام أو الجزية أو الحرب. وذلك هو