كان الأستاذ النبيه بشير يوسف فرنسيس قد أخرج في الصيف الماضي الجزء الأول من ترجمة كتاب (بغداد أو المدينة المدورة) لمؤلفه المستشرق الذائع الصيت الأستاذ (غن ليسترنج) وكنت في وقته قد كتبت كلمة في العدد (١٥٣) الصادر بتاريخ ٨ حزيران ٩٣٦ من مجلة (الرسالة) الغراء بينت فيها ما لفريق من علماء المشرقيات من الفضل الأكبر في إخراج الآثار القيمة والأسفار العظيمة، وقد وعدت القراء بنشر مقال أصف به الكتاب عند نشر الجزء الثاني، وهأنذا بعد أن تناولت الجزء الثاني - وهو المتمم للكتاب - من مؤلفه الفاضل أفي بوعدي فأقول كلمتي خدمة للحقيقة والتاريخ.
لقد بذل المؤلف في إخراج كتابه هذا جهوداً عظيمة لا تقدر بقدر حتى تمكن من إخراج كتابه إلى عالم المطبوعات بصورة متقنة مستنداً إلى أوثق المصادر التاريخية وأصدقها برهاناً وأقواها حجة، وإن هذا الكتاب لهو معجم جغرافي لمدينة بغداد وفروعها وشعباتها، ومحلاتها، وأزقتها، وشوارعها العامة والخاصة، وقبورها، وبيوتها، ودورها، وجسورها، وجميع مرافقها ومساجدها، ومعابدها، ومدارسها، ومعاهدها الدينية والعلمية منذ تأسيسها على عهد أبي جعفر المنصور المتوفى سنة (١٤٥هـ ٧٦٢م) حتى انقراض الدولة العباسية بهجوم المغول على بغداد واستيلائهم عليها سنة (٦٥٦هـ ١٢٥٨م). نظرة بسيطة يلقيها القارئ على مقدمة الكتاب وثبت المصادر التاريخية التي استقى منها المؤلف وألف كتابه هذا تجعله يقدر ما لهذا السفر الجليل من القيمة التاريخية العظيمة التي خدم بها المؤلف العرب والعلوم التاريخية العربية، وبعد أن فرغ المؤلف من مقدمته دون الوقائع المهمة التاريخية منذ سنة (١٣٢هـ ٧٥٠م) حتى سنة (٦٤٠هـ ١٢٤٢م) بجدول ذاكراً فيه اسم السنة واسم الخلفاء والحوادث والأبنية الحادثة والمؤرخين المعاصرين. ثم قسم الكتاب إلى أربعة وعشرين فصلاً بين فيها الحوادث الواقعة واحدة تلو الأخرى بصورة واضحة لا إشكال فيها ولا التباس، وقد وضح كثيراً من الحوادث في ثماني خرائط تبين موقع بغداد في مختلف القرون. وقد بلغت صفحات الكتاب ثلاثمائة واثنتين وعشرين صفحة من القطع المتوسط.
وبعد فإن الجهود العظيمة والأعمال الجبارة التي قام بها المترجم الفاضل لم تكن بأقل أهمية مما بذله المؤلف من الجهود.