تنتهي منه، فإذا عدت إليه بعد هذا بسنة أو شهر أو يوم كنت كأنك تحاول شيئاً لم تذلله من قبل، وأحوجك إلى مثل تعبك الأول أو أشق منه. فيا لله من هذا الأسلوب العويص الذي لا يذلل، ولله لهؤلاء المساكين الذين يشقون فيه هذا الشقاء بدون ثمرة نافعة!
ولا يفوتنا بعد هذا أن نذكر مثالاً من شرح الأستاذ الشيخ عبد المتعال الصعيدي في هذا الجزء، ليعرف منه القارئ نوعاً من طريقته في شرح مسائل البلاغة، وهي طريقة يجمع فيها بين العلم والأدب، وتحقيق المسألة وإيراد الشاهد على نحو ما كان يفعل المتقدمون قبل شيوع الطريقة النظرية في تدوين هذه العلوم.
قال الخطيب في تعريف علم البيان (علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ووضوح الدلالة).
فقال في شرحه: قد أخطار السبكي أن كل واحد من تطبيق الكلام على مقتضى الحال ومن الإيراد بطرق مختلفة ومن وجوه التحسين قد يوجد دون الآخرين، فلا يكون الأول عنده شرطاً في الثاني كما سبق في علم البيان، ولا يكون كل منهما شرطاً في الثالث كما هنا، ولكن الحق خلاف ذلك، لأنه لا قيمة لوجوه التحسين عند فقد المطابقة ووضوح الدلالة، ولا لوضوح الدلالة عند فقد المطابقة، ولهذا عد من عيوب الطباق قول الأخطل:
قلت المقام وناعب قال النوى ... فعصيت قولي والمطاع غراب