للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مازحة، فقد راضت نفسها على احتمال هذا الجنون مني، واستطاعت أن تدرك أنه ليس لها ولا لسواها حيلة، وأن في الوسع صرفي عن أي شيء إلا الكتب والدرس.

ويا ما أذكى المرأة!! تكون لها حاجة تريد مني قضاءها، وتخشى رفضي وعنادي، فتكتمها ولا تكاشفني بها، وتنتظر حتى تراني غارقاً في كتاب، وذاهلا به عن الدنيا، وآية الذهول أن تدخل مرات فلا أشعر بها، فتقبل علي وتلاطفني وهي عارفة بما سيكون مني، فأعبس، كما كانت تتوقع، فتقول (كلمة واحدة. . . لن أعطلك. . .).

فأقول متململاً متأففاً: (لا حول ولا قوة إلا بالله! قوليها يا ستي ولا تعطليني) فتطيل عامدة لتضجرني: (كلمة واحدة بس. . . لماذا تغضب هكذا؟. . . ألا يتسع صدرك لكلمة ليس إلا؟)

فأكاد أجن وأقول: (يا ستي قوليها، وأريحيني!)

فتقول: (المسألة الفلانية. . .)

وأنهض، وأمضي بها إلى الباب وأنا أقول: اصنعي ما تشائين. كل ما بدا لك اصنعيه، ولكن لا تعطليني. . . أنا محتاج لعقلي كله الآن. . . ألا تفهمين؟ هذه نسخة مخطوطة، منسوخة. . . من ديوان أبن الرومي. . . نسخها حمار كلها غلط وتحريف وتصحيف،. . . ليس فيها بيت واحد له معنى. . . فكيف يمكن أن أصلح غلطة واحدة إذا كنت تطيرين لي عقلي بالفساتين والخياطة والركامة. . .؟؟. . .)

فتبتسم، فقد بلغت سؤلها، وتعدني أن تحرس هذا الباب فلا تترك أحداً يدخل منه أو يقربه.

ومن العناء الذي تكلفته أني اشتريت الأغاني الذي طبعه (الساسي) - اشتريته ورقاً على عادتي، فكنت أراجع الأبيات التي ترد فيه، في دواوين الشعراء أو كتب الأدب الأخرى، فأصلحها أو أتمم القصيدة - أنسخ ذلك في ورقة وألصقها في الكتاب، وكلما فرغت من جزء جلدته، وقد أصبح ضعف ما كان؛ وهذا هو الكتاب الوحيد الذي بعته بأضعاف ثمنه، فقد اشتريته بمائة قرش وخمسة قروش، فلما بعت مكتبتي في سنة ١٩١٧ أو ١٩١٨ - لا أذكر - ابتاعه مني وراق بخمسين وسبعمائة قرش، وقد ندمت على بيعه، فما أستطيع أن أصنع الآن ما صنعته قديماً، ولكن العناء الذي تكبدته نفعني، فقد أحوجني إلى مراجعات لا آخر لها، وأطلعني على ما كنت خليقاً أن أخطئه فيفوتني العلم به

<<  <  ج:
ص:  >  >>