للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حيث يظنون أن يجدوني - في الحمام، وفي غرفة الاستقبال، وفي (المنظرة) - حتى تحت السرير بحثوا، ولم يخطر لهم قط أني في المكتبة، لأني (عريس) جديد لا يعقل في رأيهم أن يهجر عروسه هذا الهجر القبيح الفاضح! وكانت أمي في (الكرار) أو المخزن تعد مالا أدري لهذا الصباح السعيد، فأنبئوها أني اختفيت كأنما انشقت الأرض فابتلعتني، وأنهم بحثوا ونقبوا في كل مكان فلم يعثروا لي على أثر، فما العمل؟

فضحكت أمي وقالت: (ليس في كل مكان. . . أذهبوا إلى المكتبة فأنه لا شك فيها).

فقالت حماتي وضربت صدرها بكفها: (في المكتبة؟ يا نهار أسود! وهل هذا وقت كتب وكلام فارغ؟).

فقالت أمي بجزع: (أسمعي. . . كل ساعة من ساعات الليل والنهار وقت كتب. . . أفهمي هذا وأريحي نفسك، فأن كل محاولة لصرفه عن الكتب، عبث).

فقالت حماتي: (لو كنت أعرف هذا. . . مسكينة يا بنتي. . . وقعت وكان ما كان).

فقالت أمي: (هل تكون مسكينة إذا وطدت نفسها على هذه المعرفة؟ ويحسن أن تكبحي لسانك، وأن تدعي الأمر لبنتك فانه من شأنها).

فلم تكبح لسانها بل قالت: (لو كانت ضرة. . . لكان أهون!).

فقالت أمي: إنك حمقاء. . . وليس في الأمر ما يحوج إلى هذا الهراء. . . أذهبي إليه وناديه. . .).

فارتدت إليّ، وفتحت الباب علي، وكنت ذاهلا؛ فلما شعرت بالباب يفتح أزعجني ذلك، فأشرت إلى الداخل أن يرجع من غير أن أنظر إليه؛ وكنت مقطباً، وكان لساني يخرج أصواتاً كهذه: (شش! شش!).

فخرجت المسكينة وأغلقت الباب، وذهبت تقول لأمي والدموع تنحدر من عينيها إني طردتها وصحت بها: (هشش!) كما يصاح بالدجاج؟

وقد عرفت هذا كله فيما بعد، فطردتها، لأن خفت أن تخرب لي البيت؛ ثم إني تزوجت بنتها، ولم أتزوجها هي، فما مقامها عندي ولها بيت طويل عريض وزوج كريم؟ وكان رأي بنتها فيها مثل رأيي، فلم يسؤها مني ما فعلت. وأراحنا الله من دوشتها، ولكن زوجتي كانت تقول إلى آخر أيام حياتها رحمها الله: (ليس لي ضرة سوى هذه الكتب) - كانت تقول لها

<<  <  ج:
ص:  >  >>