والحديد من كل الجهات، حرم رجال الثورة إمكان استيراد المواد الأصلية الضرورية لصنع الصابون والبارود والمدافع والأسلحة، عندئذ فكرت لجنة الدفاع الشعبي في الاستفادة من علماء الكيمياء، فاستنهضت هممهم لتخليص الوطن من هذه المحنة. ومن هؤلاء العلماء (برتوله) و (فوركروا) وجهوا أبحاثهم العلمية وجهودهم الفكرية، نحو أيجاد الطرق التي تساعد على إحضار المواد المذكورة بصورة صناعية من المواد الموجودة داخل البلاد، فنجحوا في مسعاهم هذا وخدموا وطنهم بذلك أجل الخدمات.
وأما بعد ذلك فنستطيع أن نقول: إن (خدمات العلم للوطنية) أصبحت من الأمور الاعتيادية التي يصعب إحصاؤها فأن صحائف تاريخ العلوم من جهة وتاريخ الدول من جهة أخرى مملوءة بأمثلة دالة على ذلك، ولاسيما ما حدث منها خلال الحرب العالمية.
وربما تقولون أيها الأستاذ، (إن هذه كلها من الأمور التطبيقية) وستكررون في هذا المقام رأيكم في (العلم وتطبيق العلم) لأنكم قلتم في كلمتكم (فالعلماء الحقيقيون لا يطبقون العلم، إنما يعيشون حياتهم للمعرفة المجردة لا يبتغون من ورائها غير مجرد الدنو منها، تلك لذتهم الكبرى، أما رجال الأعمال الذين يأتون بعد ذلك لاستغلال نتائج هذا العلم فليسوا من العلماء وإن درسوا العلم دراسة عميقة)
فاسمحوا لي أن أقول: إن الطبيعة بعيدة عن مثل هذه التقسيمات القطبية في أمر (العلوم وتطبيقاتها) فأن استغلال نتائج العلوم - بعد اكتشافها - لا يكون دائماً من عمل رجال آخرين غير العلماء المكتشفين، بل كثيراً ما نشاهد في تاريخ العلوم أن العالم الباحث، بعد أن يتوصل إلى معرفة الحقائق واكتشاف القوانين ينتقل بنفسه إلى التفكير في النتائج المأمولة والفوائد المتوقعة منها، ويبحث عن تطبيقاتها فهل يحق لنا - في هذه الحالة - أن نخرجه من عداد (العلماء بحجة أنه لم يكتف باكتشاف الحقيقة، بل تعدى ذلك إلى التفكير في الاستفادة منها؟ فهل يحق لنا مثلا ألا نعتبر أرخميديس من (العلماء الحقيقيين) بالرغم من نظرياته واكتشافاته العلمية الكثيرة - لمجرد إقدامه على تطبيق بعض القوانين التي اكتشفها؟ وهل يحق لنا أن نخرج (برتوله) من عداد العلماء - بالرغم من نظرياته وقوانينه المشهورة - لمجرد عدم اكتفائه باكتشاف تلك القوانين - وإقدامه على توجيه بعض أبحاثه العلمية إلى الاتجاه الذي تتطلبه منه خدمة الوطن؟.