للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كلا. . . إن مبدأ (العلم للعلم) يتطلب البحث عن الحقائق لنفسها ولو لم ينتظر فائدة من وراء معرفتها، غير أنه لا يتطلب الامتناع عن الاستفادة منها.

إن هذا المبدأ يتطلب الاعتراف بالحقائق الثابتة، مهما كانت نتائجها؛ غير أنه لا يتطلب الامتناع عن توجيه الأبحاث العلمية نحو الحقائق التي ينتظر الحصول على فائدة وطنية من وراء معرفتها.

هذا وإتماماً لاستقراء الوقائع التاريخية، يجب عليّ أن أشير إلى بعض الحوادث التي تدل على حدوث شيء من المخالفة والمشادة بين رجال العلم ورجال الوطنية في بعض الأحوال: إن تاريخ الثورة الفرنسية يعطينا مثالاً بارزاً لذلك: فأن رجال الثورة أعدموا (لافوازييه) الذي يعتبر مؤسس علم الكيمياء الحديث، و (بايلي) الذي أشتهر بأبحاث فلكية هامة؛ وسجنوا (كوندورسه) الذي كان من كبار المفكرين، فاضطروه إلى الانتحار تخلصاً من المقصلة والعذاب. . .

كما أن الانقلاب الألماني الأخير أعطانا مثالاً جديداً لذلك: فأن الحكومة الوطنية، طردت من البلاد عدداً غير قليل من العلماء، وعلى رأسهم (إينشتاين) الشهير. . .

غير أنه يجب علينا أن نلاحظ أن هذه الوقائع لا تدل على خصام بين العلم والوطنية، من حيث الأساس. لأن العلم قلما يتفرغ إلى الأبحاث العلمية تفرغاً مطلقاً، فأنه لا يتجرد عادة عن الحياة الشخصية، بل كثيراً ما يقوم ببعض الأعمال السياسية أيضاً، كما أن تفكيراته لا تكون علمية في كل الموضوعات، إذ أنه قد يفكر كما يفكر سائر الناس في المسائل التي تخرج عن نطاق اختصاصه، ولا سيما في الأمور التي تدخل ساحة الدعايات الحزبية والأعمال السياسية. فإذا ما تحدث مخالفة بينه وبين رجال السياسة الوطنية، يكون قد حدث ذلك بالرغم من علمه لا بسبب علمه.

فأن (لافوازييه) مثلاً كان من النبلاء الذين يحملون لقب (المركيز) كما أنه كان من (الملتزمين) الذين كانوا يشتغلون بجباية الضرائب من الناس. فإذا ما اتهمه رجال الثورة الفرنسية - بحق أو بغير حق - بالخيانة للوطن، وحاكموه فاعدموه، إنما كان ذلك من جراء صفاته وأعماله هذه، لا من جراء أبحاثه وآرائه العلمية.

وكذلك الأمر في (إينشتاين): فأن أبحاثه العلمية ونظرياته الفلسفية لم تجرده عن النزعات

<<  <  ج:
ص:  >  >>