فليس هو بالفارق الذي يضفي على الكبير منها صفة النبوغ والتفوق. . .
وقد سألنا الأستاذ أحمد أن ندله على السياسي الذي يفوق أقرانه ويبذهم، وقد نبهنا إلى استنارة الشعوب وبصرها الآن بأساليب الحكم وفقهها لطرائق الإدارة؛ ثم سألنا أن ندله على العالم الذي يسبق جيله أو معاصريه، ونبهنا إلى أن العلوم اليوم والفنون كذلك قائمة على سنة التخصص، وأفهمنا أنه لا يوجد طبيب، وإنما يوجد أخصائيون في كل فرع من فروع الطب، ولا يوجد قانونيون، بل مطبقون لناحية واحدة من نواحي القانون. . .
والحق أننا نشكر للأستاذ هذا التنبيه، لأننا نستطيع بعده أن ندله على النابغين المتفوقين الذين يسبقون معاصريهم بالسنين ويفوتونهم بالمراحل، فالتاريخ لم يعرف حاكماً كموسوليني ينبعث من خنادق الحرب، ثم يشتغل سنين معدودة في الصحافة، ثم تدين له الدولة والأمة بالطاعة والانصياع، ويصبح البون بينه وبين أكبر رجال أمته شاسعاً، حتى لا يكاد يوجد في إيطاليا إلا موسوليني، الكلمة كلمته، وكلمته قانون، وقانونه مقدس أسمى من أن يشوبه خطاْ، ثم تتحالف عليه الدول وتطوق بلاده بحصار لا يرحم، فيجرح شجاعته، ويواجه العاصفة بسيل من الخطب ودنيا من التدابير. . . فالتخصص ومجانية المدارس وتذليل أساليب التحصيل، كلها لم تحل دون بروز شخصية سياسية طاغية في إيطاليا. وهذا البروز، هو النبوغ على الأقل كما وضح لنا الأستاذ أحمد أمين مقياسه - ولكن الأستاذ يريد أن ندله على نوابغ كثيرين وإلا كان محقاً فيما ذهب إليه من أن العصر الحديث لا يعتبر عصر النوابغ، بل عصر ارتقاء الجماعة الإنسانية ارتقاء لا يسمح بإيجاد الفوارق الواسعة بين العامة والخاصة، وبين الكبار والصغار، ولكن حسب الأستاذ الكبير أن يدير بصره في العالم بأسره ليعلم أننا نعيش في عصر النابغين فألمانيا يحكمها رجل واحد يتصرف في أمورها كما يحلو له، أو على الأقل كما يحلو له ومستشاروه الذين من حوله.
وروسيا على رأسها رجل يضع دستورها، وينفذ قانونها ويشرف على جيشها، والذين من حوله أقزام ينظرون إليه ولا يقوون على مقاومة إرادته. . . وعلى الأستاذ الكبير أن يسأل من اليوم صاحب النفوذ الذي لا يحد في تركيا، وفي بولندا - قبل وفاة سلسودسكي - وفي النمسا وفي تشكوسلوفاكيا في عهد مازاريك ليعرف أننا محكومون بالنابغين والمتفوقين في