عالم السياسة وليدرك أن بصر الشعوب بأساليب الحكم، وفطنتها الدستورية، لم تحل دون ظهور هذه الكثرة من ذوي السلطان المطلق. .
فإذا رجعنا إلى التاريخ القديم، وجدنا أن روما التي احتملت موسوليني أربع عشرة سنة متوالية، لم تستطع أن تحمل يوليوس قيصر مثل هذه المدة.
قد يعترض الأستاذ فيقول: ولكن من قال عن هؤلاء الحكام نابغون؟ وهو لا يحرجني بهذا السؤال، لأنه هو الذي ضرب لنا المثل (بنابليون) ولا أحسب أن نابليون من حيث معدن العظمة يبذ واحداً من هؤلاء الذين ذكرت أسمائهم
فإذا أدرنا وجهنا إلى ميدان العلوم والفنون ألفيناه ميدان العمالقة والأقزام، ميدان الذين تلامس هاماتهم السماء والذين تلاصق أسماؤهم التراب، على الرغم من أن هؤلاء وأولئك، حصلوا على نصيب واحد من العلم المدرسي، فالأستاذ أحمد أمين يصيب كثيراً من العناء إذا هو أراد أن يجد قريناً لرجل ككارل ماركس ألف كتاباً فثل هذا الكتاب عروشاً، وأزال دولا، وقلب وجهة التاريخ، ورجل كداروين لا يشابهه في ميدان الطبيعة أكثر الذين حوله، ولا نستطيع أن نقول إن كارل ماركس هو وحده النابغة في ميدان الاقتصاد، ولا أن داروين هو وحده المتفوق في ميدان الطبيعة، فإلى جانب ماركس برودون وبلاخانوف ويوخارين وغيرهم وغيرهم ممن كانوا إلى جانب طلاب الاقتصاد وأساتذته وكتابه والمشتغلين به نوابغ بل عباقرة. وفي الأدب يكتب الآن الكثيرون، والمطابع لا تنفك تخرج المؤلفات والمصنفات، ولكن ألا يوجد الكاتب الذي كلمته في حساب المادة عشرات الجنيهات، والكاتب الذي لا تساوي كتبه شروى نقير. . . ثم ألا يوجد الكاتب الذي تفعل بدائعه في النفوس وفي الشعوب فعلا تارة يدفع بها إلى العنف، وأخرى يميل بها إلى الرضا. . . فكثرة الكتاب في أوربا وفي العالم، وكثرة الموسيقيين وكثرة الاقتصاديين لم تحل دون النابغين، ولكن الأستاذ أحمد أمين يريد أن يرى هؤلاء النوابغ، ويريد أن يسألنا عن الفرق الكبير بين كاتب إنجليزي وكاتب إنجليزي آخر. . . والحق أننا لا نتعب كثيراً في أن ندله عليهم، لا بذكر الأسماء بل بوضع قاعدة تغير الموقف.
فالأستاذ لا يرى موسيقياً كالموصلي ولا كبتهوفن. ولا شاعراً كشكسبير، ولا كالمتنبي. ولا كاتباً كعبد الحميد ولا كابن المقفع ولا كما كولي، فيقول: لا نبوغ في هذا الأيام وينسى أن