نلجأ إلى حماية الرب العظيم، حيث الماء والهواء يحركان الصخور؛ ولكن على الرغم من ذلك نحاول أن ننشل أنفسنا من وهدة القنوط بقوة الأيمان، تلك القوة التي تخفف عنا عذاب الضمير وتهدئ من ثورة عواطفنا الجامحة، فتطمئن قلوبنا بذكر الله وتجري على شفاهنا آيات الكتاب الكريم
أليست كلمات الله العذبة الفصيحة قادرة على أن ترشد الإنسان مهما كان زائغ العقيدة إلى الصراط المستقيم؟
ذلك الصراط الذي وعد الله به عباده المتقين فيرون ضوء الشمس الساطعة في كل جزء من أجزاء الحياة، وعندما تشعر النفس بالكآبة فلا عزاء لها إلا أن تيمم نحو الخالق العظيم لأن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده التوسل والضراعة إليه، والكل يغترفون من فيض نعمائه لأنه رحيم رؤوف بعباده. على ضوء هذه العقيدة اضطجعت في غرفتي وأغمضت عيني فشعرت بازدياد ضربات قلبي ثم ألفيت نفسي أتلو آية الكرسي، وهناك شعرت بدمعتين حارتين تنحدران على خدي. ثم أسدل الليل ستاره وخيم السكون على أنحاء المدينة وبدأ القوم يوقدون مصابيحهم الزيتية، وحضرت الخادم تحمل طعام العشاء فسرعان ما شعرت بأني أهبط من طبقات السمو والتفكير في صفات الخالق إلى حضيض الأرض، وبعد أن تناولت عشائي نهضت فارتديت سروالي وعصبت رأسي بعصبة أحكمت فوقها عقالا، ثم يممت شطر جبل أبي قبيس لزيارة صديقي الأستاذ عبد الله رافع الذي دعاني مع آخرين لقضاء ليلة ساهرة في بيته، فاخترقت في طريقي سوق المدينة ورأيت الشوارع لا تزال مكتظة بالزوار وحجاج البيت الحرام. وكانت دار صديقي حافلة بالضيوف فما كدت أغشي الصالة الكبرى حتى أحسست أني في عزلة عن الضوضاء، وشعرت بالهدوء الشامل والطمأنينة المريحة
وأستطيع أن أقول إن جماعة الوهابيين في بلاد العرب يحرمون بتاتاً الاجتماع في الولائم وغيرها، وحجتهم في ذلك أنها مخالفة لنصوص الشريعة والسنة، ويقولون أن في التقشف الغذاء النفساني لكل طالب، ويعززون رأيهم بأن الإنسان ما خلق إلا للعبادة والتقوى، وليس له أن يتوغل في إعطاء النفس شهواتها لأن الحياة في ذاتها كلها تعب وقصيرة؛ وليس الغرض منها أن يتمتع الناس وينغمسون في شهواتهم. بيد أني أرى أنهم يبالغون في هذا