نكست رأسها. مرت عليهما دقائق عشر ما نطقا فيها بحرف.
وقف سوموف فجأة أمامها ونظر إلى وجهها برعب وقال: إنك تعرفين يا ليدوتشكا أن الأمر جد! أنك أم!. . . أتفهمين؟. . أم!. . كيف تعلمين بنيك إذا كنت لا تفهمين شيئا؟ أنك ذات عقلية خصبة وذهنية نيرة. . . ولكن ما جدوى ذلك إذا كنت تجهلين كل شيء. فلا تعرفين شيئا من الآداب ولا من العلوم على أننا سنغض النظر عن المعارف، لأن الأطفال سيتعلمون ذلك في المدرسة، ولكنك تعرفين ضعفك في الأدب وبلادتك فيه، تستعملين في بعض الاحيان لغة تجعل أذني في طنين!
ثم هز سوموف كتفيه مرة أخرى وجمع إليه ثوبه واستمر في سيره. . . شاعرا بالغيظ والحنق، وفي الوقت نفسه آسفا على ليدوتشكا التي لم تحتج ولم تعترض، ولكنها اكتفت بأن ترمقه من طرف خفي. وأحسا معا بالضيق الجاثم على قلبيهما، والهم المتمكن من نفسيهما، حتى أذهلهما الحزن عن كل شيء فلم يدريا كيف مر الزمن وكيف قربت ساعة العشاء.
ولما جلسا للطعام شرب سوموف المولع بالطعام الشهي الهني قدحا كبيرا من الفودكا وشقق الحديث فأداره على وجوه أخر. وكانت ليدوتشكا تسمع لما يقول مسلمة راضية. بيد أنها وهي تشرب الحساء أخضلت عيونها بالدمع ثم خنقتها العبرات.
فنهنهت دمعها بمنديل وقالت:(إنها غلطة والدتي! نصحها جميع الناس بإرسالي إلى مدرسة عالية، ومن هناك كنت على يقين من ذهابي إلى الجامعة).
فتمتم سوموف (الجامعة!. . . مدرسة عالية!. هذا كثير يا بنيتي! ما الفائدة من أن تكوني احدى ذوات الجورب الأزرق! الجورب الأزرق هو الشيطان الرجيم في نار الجحيم!! لا يمسي صاحبه رجلا ولا امرأة، وإنما يكون شيئا بين بين، أني أبغض من كل قلبي الجوارب الزرقاء. . . ولن أتزوج امرأة متعلمة).
فأجابته ليدوتشكا! لا أدري كيف أفهمك؟ تغضب لأني لست متعلمة وفي الوقت نفسه تكره النساء المتعلمات! لقد تنكرت لي وسخرت بي لأن رسالتي كانت خلوا من كل فكرة، فارغة من كل معنى، ومع هذا فأنت تعارض في دراستي ولا تستحسن تعلمي.
- لقد أصبت شاكلة السداد يا عزيزتي. قال هذا سوموف وهو يتثاءب ثم ملأ قدحا آخر من الفودكا.