وأحمد الله الذي أعفاني وأراحني من سخافة المساحيق، فأن زوجتي لا تتخذها، فليس في بيتي ذرة من الأحمر أو الأبيض. ومن القواعد المقررة عندنا أن على من تزورنا من قريباتنا أو من هنّ في حكمهن لتقض يوماً أو أياماً معنا، أن تجيء معها بمساحيقها، فلن تجد حتى ولا ما يُنْفَضُ على الوجه بعد حلاقة الذقن. وأحسب أن زوجتي اطمأنت إلى عجز فريستها عن النجاة فهي لا تعنى الآن بشيء من هذه المزينات. .
ولست مجنوناً حتى أقف على شاطئ البحر وأنظر إلى الفتيات الناهدات، الرشيقات، المشوقات، وهن يخرجن من الماء وقد لصق بأبدانهن القليل الذي عليها، فإني محتاج إلى عقلي كله، ولكني أحسب الفاضل الذي كتب إليّ يدعوني إلى ذلك، يدرك أن الأمر هنا أشبه بأن يكون أمر اشتهاء، لا حب، وخليق بالمرء وهو ينظر إلى هذه الفتنة المجتمعة، أن تدركه الحيرة، وأن يزوغ بصره، فلا يعود يدري أي هؤلاء الجميلات أولى بحبه، فأن لكل جسم فتنة، ولكل محيا سحره، ولو أني وقفت على البحر لكان الأرجح أن احب هؤلاء جميعاً، جملة، وأن أشتهي أن أضمهن كلهن في عناق واحد، فان الظلم قبيح، وأن نفسي لا تطاوعني على غمط الجمال في أية صورة من صوره، ومن يدري. . . لعل القدرة على أدراك معاني الجمال في مظاهره المختلفة هي التي وقتني الحب، ومنعت أن أعشق واحدة على الخصوص أجن بها.
ولكني لست واثقاً أن هذا كهذا، وأن كان يحلو لي أن أغرّ نفسي به، والأرجح إنها بلادة، وان جلدي سميك. . .
ويجب أن نفرق بين النشوة العارضة، والنشاط الصحيح وبين الإعجاب والحب؛ وأن ننسى كل ما علق بالحب من الحواشي الخيالية التي كان الفضل فيها لمبالغة الشعراء وهذيان المرضى، فليس الحب إلا مرضاً فالشأن فيه هو الشان في كل مرض. والمرء يصاب بالأمراض في حالتي الصحة والضعف ولكنه يكون أكثر تعرضاً للمرض في حالة الفتور الخفي الذي يضعف المقاومة، لأنه يغري بالاطمئنان على حين ينبغي الحذر، أو هو في حقيقته ضرب من الجوع كما قلت.
وفي الناس الشره المبطان، وفيهم القنوع الذي يكفيه اليسير الموجود. والجوع ضعف. والجائع لا يملك من القدرة على مقاومة الأغراء ما يملك الشبعان