للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المؤرخ بئر (الحلزون) الشهيرة التي أنشأها بها السلطان الغوري لاستخراج الماء من أعماق الأرض وقد شهد البقر تدور فيها على عمق سحيق، وكان بالقلعة يومئذ عدة من السرايات والجوامع والمساجد والحمامات كأنها مدينة مستقلة، وأبراجها العظيمة مما يفلت الأنظار، وكان بها مصنع خاص لعمل الكسوة النبوية، وعمل السجاد للحرم الشريف.

ثم يحدثنا الرحالة عن الجامع الأزهر وعن شيخه وهو يومئذ الشيخ منصور المنوفي الشافعي الضرير، وكان يكثر من زيارته ويجتمع بأستاذته وطلابه ويستمع لبعض ما يلقى فيه من دروس ويقول لنا النابلسي إن طلبة الأزهر رجوه في إلقاء بعض دروس في الحديث فأعتذر إليهم، وكانوا يجتمعون حوله، ويلتمسون بركته، وهو يبكي تأثراً.

وكان الرحالة كثيراً ما يمر في غدواته وروحاته بباب زويلة، وقد كان يومئذ مخرج القاهرة القديمة من الجنوب، ولم يفته أن يصف محلة زويلة، وما كان يجتمع بها يومئذ من أرباب الملاعب والسميا، وهم طائفة المهرجين والحواة، الذين لم ينقرض نسلهم إلى يومنا

على أن أهم ما عنى به الرحالة هو زيارته للقرافة ومزاراتها، وقد كانت الفسطاط ما تزال مجمع المقابر والمزارات الفخمة، تتوسطها مقبرة الشافعي الخالدة؛ وكان النابلسي كما رأينا من أقطاب الصوفية الذين تستهويهم ذكريات القبور والمزارات المشهورة، ومن ثم نراه يفيض في وصف زياراته للقرافة ومقابر الفسطاط التاريخية ولا سيما مقبرة الشافعي، وينوه بعظمتها وسحرها، ويترجم لمن يأتي ذكرهم من العلماء والأولياء؛ ثم يصف زيارته لمزار وليه المصطفى ابن الفارض بجامع القرافة، كما يصف لنا حلقات الذكر الصوفي الذي تنشد فيه القصائد والأناشيد المؤثرة، ويقول لنا إنه شهد الأولياء أحياناً يأخذهم التأثر فيمزق بعضهم ثيابه أو يدوس الناس هائماً على وجهه لا يلوي على شيء

ولبث النابلسي بالقاهرة ثمانين يوماً حتى اقترب موعد السفر إلى الحج؛ فقابل أمير الحاج المصري إبراهيم بك واستشاره في خير الوسائل للسفر الأمين، وبذل أمير الحج له ما استطاع من النصح والمعونة، وأعد النابلسي عدته للسفر وودع أصدقائه في مظاهر مؤثرة، وغادر القاهرة في السادس من رجب (سنة ١١٠٥) في ركب من المصريين والشاميين، وغادرها من باب الشعرية كما دخلها، وودع الوزير خارج القاهرة بقصره بالعادلية، وإلى هنا تنتهي رحلته المصرية

<<  <  ج:
ص:  >  >>