في تاريخ هذا الرجل وأن يعقد في الرسالة فصلا يبحث فيه العلاقة التاريخية بين الاسكندر المقدوني وذي القرنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وعبثاً ما حاولت أن أستذكر اسم كتاب واحد في اللغة العربية يمكن أن يتخذ مرجعاً في مثل هذا الدرس التاريخي الحافل. وهب أني استطعت أن اقفه على أسم كتاب أو كتابين، على تقدير ذلك، فهل ذلك يغنيه عن الرجوع إلى المصادر القديمة التي تصدت لذكر الاسكندر المقدوني وفتوحاته، مثل فلوطرخوس وإفلينيوس وإسطرايون وبطليموس ويوستين وكورتيوس وغيرهم وغيرهم ممن لا تحصيهم الذاكرة، وهل ذلك يغنيه إذا أراد أن يكتب في أخلاق الإسكندر عن درس المراجع التي كتبت في فيليبس الثاني أبيه، والمراجع التي كتبت في صفات أمه أولمبياس؟ هل ذلك يغنيه عن أن يعرف أن هناك قصة أكثر ما فيها خرافي تدعى عند الأعاجم قصة الاسكندر، يرجح الثقات أنها كتبت في مصر في خلال القرن الثالث الميلادي، وأن هذه القصة ترجمت إلى أكثر اللغات الحية ما عدا العربية بالطبع، وأن ذيوع هذه القصة كان سبباً فيما ذاع عن الإسكندر من الخرافات، حتى قيل إنه نبي مرة وإنه رسول مرة أخرى؟
ذكرت للأديب العالم الذي سألني مجمل هذه الأشياء، وزدت على ذلك أن درس تاريخ الإسكندر على الصورة التي رسمها يحتاج إلى إلمام بتاريخ الثقافة الهلينية وعلاقتها بغزوات الإسكندر في الشرق؛ ثم زدت على ذلك أن هذا الدرس يحتاج إلى إكباب على درس جغرافية حوض البحر المتوسط القديمة والمدن التي قامت حقاً فيه وتاريخها وأثرها في نشر الثقافة الهيلينية، ثم درس جغرافية الشرق القديمة من حدود بحر الروم إلى حدود بلاد الهند؛ ثم زدت على ذلك أنه من المحتوم على من يريد أن يدرس هذا الدرس وينحو هذا النحو أن يلم بتاريخ الصراع بين فارس وبلاد اليونان قبل ظهور الإسكندر، وأن يلم بالحالات التي قامت في بلاد فارس قبيل الفتح المقدوني.
صور لنفسك أيها الباحث بعد ذلك عدد المراجع التي يحتاج إليها باحث كهذا الباحث ليدرس موضوعاً خيل إليه بدءاً أن بحثه هين وأن درسه سهل، وصور لنفسك بعد ذلك مقدار ما يكون في بحث مثل هذا يتم بغير مراجع وثيقة فيها من نقص وجهل وتقليل، ثم صور لنفسك بعد هذا كله مقدار ما يكون في مؤلف يبرز للناس عفو الخاطر من قدرة على تلخيص جدل الماضي، وليكون للمستقبل جدله الخاص به؟ وإني لأقول آسفاً إن صديقي