للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا على مقدار ما كان فيه من شغف لبحث هذا الموضوع، قد أضطر إلى الميل عنه إلى بحث آخر عربي المرجع، بحث من تلكم البحوث التي يعتمد فيها على كتب عربية لم يصقلها النقد، ولم يقف على إخراجها للناس علماء أنفقوا من وقتهم في تصحيحها وضبط أعلامها وألفاظها ما يجدر بكتب هي في الواقع مراجع العلم ومآل العالم في البحث

انتهت محاولة ذلك العالم بأن يتحول عن الإسكندر إلى غيره، لأنه فقد المراجع التي يستطيع أن يتخذها عدة للبحث. ولم ينته الأمر عند ذلك. فقد أرسل إلى أديب من أدباء العراق كتاباً يسألني فيه عن المراجع العربية التي يستطيع أن يخلص منها بشيء من تاريخ تأسيس مدينة الإسكندرية والبحوث التي قام بها الذين عنوا بموضوع هذه المدينة، ولقد أردت أن ألبي طلب الأديب فبحثت عن المراجع فلم أجد لها أثراً، ونقبت عن الكتب التي ألمت بشيء من تاريخ العصر المقدوني بمصر فلم أقف لها على وجود وفي النهاية اضطررت أن أكتب إليه بأن يستعين بأحد الذين يجيدون اللغة الإنجليزية ويراجع ما كتب مهفي وهوجارت واردن بيفن، وأنا على علم بأن حظه من التأليف والبحث سوف لا يعدو حظ صديقي الأول:

وبعد فأن أمثال الباحثين كثيرون، يريدون أن يلخصوا جدل الماضي، وأن يعدو العدة لجدل المستقبل، ولكن عمادهم مفقود، وسلاحهم مفلول، على أن ما طلب الباحثان لأهون بكثير مما يطلب غيرهما، فالتاريخ على ما فيه من عويص المشكلات يهونه نقل مراجعه إلى العربية، بقدر ما يصعب نقل الآثار الأدبية أو الفلسفية، فلو أن كاتباً أراد أن يكتب في تاريخ الشعر الإغريقي فأي المراجع يقصد وأي الأبواب يلج؟ ولو أن كاتباً أخر أراد أن يستقصي تاريخ المذاهب الفلسفة التي اندست في ما نظم شعراء الحكمة عند اليونان، فأي الكتب ستذكر وأي المدونات يدرس؟

دعك من كل هذا، وصور لنفسك حال باحث يريد أن يقف على تاريخ العصر الروماني في مصر، أو أن يقف على شيء من تاريخ الكنيسة النصرانية فيها، أو أن يقيم من تاريخ الصراع بين الهيئتين السياسية والدينية، هيكلاً يخلص منه تاريخ شامل لمصر في خلال سبعة قرون حكم فيها الرومان أرض النيل، فأي الكتب العربية يستوحي وأي الأبواب يطرق؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>