- على الرحب والسعة، الله سبحانه وتعالى يوليك برحمته ويمنحك بركته.
فأجبت: شكراً لك وللرفاق، وفي الحقيقة إنني مستأنس لوجودي بينكم، فلا حرمنا الله منكم.
ثم اتكأت على إحدى الأرائك ووضعت وسادة تحت ذراعي. وفي الحال أحضر صاحب الدار نارجيلة مزخرفة بالنقوش بيد أني اعتذرت عن التدخين لعدم تعودي عليه من قبل، وأنني أخشى أن يصيبني دوار منه، مع اعتقادي بأن في تدخين النارجيلة لذة وتنشيطاً للقريحة، وهو مظهر من مظاهر العز الشرقي البائد، حيث تظل رافعاً رأسك، محدقاً في غيرك وأنت ممسك بقبضة خرطوم النارجيلة.
في ذلك الثوى المثقل بدخان التبغ والذي كانت حرارته تكاد تصهر الوجه، رأيت لأول مرة منظر الجواري وهن يدخلن علينا بأكواب الشاي المعطر، وكانت إحداهن المسماة فريدة، عذراء في ريعان الصبا، وهي من جنوب بلاد العرب، صبوحة المحيا، بسامة الثغر، رشيقة في حركاتها، تخطو كخطو الغزال الوحشي. وكانت تحلي جيدها ومعصميها ببعض الحلي، وترتدي من الملابس أفخرها، وكانت عندما تصل إلى موضع الضيف تحني رأسها بابتسامة ثم تقدم إليه الشراب المثلج.
هذه الجارية كانت مملوكة لصاحب الدار الذي يسيطر عليها سيطرة تامة، فمن حقه مثلاً أن يبيعها أو يعتقها أو يهبها إلى غيره وعلى الرغم من أن الفتاة كانت تدرك ذلك فقلما كانت تأبه بهذه الأحمال الثقيلة، بل كانت تتنقل من مكان إلى مكان دون خوف أو وجل، كعصفور موضوع في قفص يحوي طيوراً جارحة. أما الرجال فأنهم يتسامرون في خلواتهم بأحاديث الهوى والعشق ويلتمسون في ذلك عزاء وسلوى. لآن المرأة في كل البلاد العربية لا يمكنها أن تشترك في الحفلات والمجتمعات، بل أنهن يكتفين بالنظر خلسة إلى الرجال أثناء سمرهم، وهن لا يعلمن شيئاً من مجريات الأمور الخارجية إلا ما يصل إلى سمعهن من الأحاديث التي تدور حول الموائد
ولقد أفضى إليَّ أحد الضيوف المسمى الغرابي بحادث زواجه للمرة الثانية وما لاقاه من زوجه الجديد من عنت وقسوة عندما أراد التبني بها، فالزواج في تلك الديار موكول إلى أهل الزوجة، وعليهم أن ينتخبوا بأنفسهم الزوج الصالح لأبنتهم، أما القبائل البدوية التي ترابط خارج مكة فهم لا يتزوجون إلا من عشيرتهم. وذكر صاحبي الغرابي، أنه بعد إتمام