مراسيم حفلة العرس، تلك الحفلة التي يحتفل بها الرجال والنساء كل على حدة، يدلف العريس إلى مخدعه حيث تكون العروس في انتظاره، ومن البديهي أن ذلك السيد الذي فرضوه عليها، لم يقع نظرها عليه قبل الساعة.
يدخل صاحبنا المخدع الذي يكون مضاء بمسرجة باهتة اللون، وهناك يقع نظره على كومة منزوية في أحد الأركان وما تلك الكومة إلا عروسه ملفوفة بين الوسائد، ومشدودة بالحبال، وتشعر بدخول عريسها فتخرج رأسها من بين تلك الوسائد - كما يخرج القنفذ رأسه - فيتقدم إليها بلطف محاولاً أن يصافحها، ولكن عوضاً عن أن تمد يدها إليه، فأنها تلطمه على خديه بكل قواها، بحيث تبعده عنها. ثم يحاول أن يقترب منها للمرة الثانية فيكون نصيبه مثل ما أصابه في المرة الأولى
وربما أحدثت في يده جروحاً من أظافرها الطويلة - أما هو فيجد نفسه غير قادر على معاملتها بالمثل. وبفرض أنه حاول أن يضربها، فأنها لا تحس بتأثير تلك الضربات التي لا تقع إلا على الوسائد. وفي هذه الحالة ليس من وسيلة أمامه سوى أن يشرع في تمزيق هذه الوسائد، الواحدة بعد الأخرى.
وهو في خلال هذه الفترة معرض لكل ضروب اللكم والعض والخربشة. ولا يكاد يفرغ من هذه العملية الشاقة حتى يضنيه الإجهاد فتهدأ ثائرة العروس وتبدأ تسلم نفسها إليه).
وضحكنا ضحكا عالياً من هذا الحديث ثم أخذنا نتمتع باحتساء القهوة العربية وأكل شرائح البطيخ. وكانت هذه القصة الطريفة بداءة السمر لأنهم استحضروا بعد ذلك حاكياً كان مخبأً في إحدى الزوايا، وشرعوا يضعون عليه أقراصاً بها قصائد وأغاني تسودها مسحة من الحزن والكآبة. وأرتفع صوت بعض الضيوف بأغان من نوع الرومبا، وكان في ركن من أركان الثوى رجل يغني بواسطة عود يحمله، وكان هذا الرجل قد تعلم هذا النوع من الضرب الموسيقي المصحوب بالغناء في فترة إقامته بالديار المصرية ولما رآني مهتماً بالأغاني التي يذيعها اقترب مني وطلب إلي بإلحاح أن أندمج معهم في هذا اللهو البريء، فلبيت الطلب وتناولت العود فضممته إلى صدري، كما تضم المرضعة فطيمها، وسرعان ما تحركت أصابعي فوق الأوتار وانبعثت من حلقي أنشودة مجرية، من نوع تلك الأغاني التي تعلمتها في البراري فسر المدعوون من تلك النغمات التي لم تألفها آذانهم وأقبلوا