للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فقال الرجل:

- انك تقول الحق وتنطق بالصواب ولكن انظر إلي فقد أصبحت في حالة يرثى لها، بعد أن وقعت في غرامها. ما حيلتي وقد رزقها الله قدٌّا نحيلاً وقامة هيفاء، وعينين نجلاوين كعيني الغزال؟ أنني أبتهل إلى الله ليل نهار أن يجعلها من نسائي ويرزقني منها الذرية الصالحة

وتأثرت تأثراً شديداً من حالة هذا العاشق المد نف وأردت أن أنتقل إلى صاحب آخر، وكان الليل قد أنسلخ منه نحو ثلثيه، فألفيت الضيوف يسبحون في عالم الخيال وعالم الحب، وكلهم يشكون تباريح الهوى ولوعة الهجر، ولاحظت أن البعض منهم يبكون نساءهم ويندبون حظوظهم، وهكذا كانت ترتعد فرائصي من هول الموقف وأنا أفر من صاحب إلى صاحب

والخلاصة التي أستطيع أن أقررها أن هذه العواطف النبيلة التي اكتسبها البدو إن هي إلا أثر من آثار الصحراء التي يرجع الفضل إليها في تهذيب نفوسهم، وفي تلقينهم أصول هذا الغزل الذي قلما نجده في سواهم من الشباب

وحينذاك أخذ ضوء المصابيح يخفت فدخلت إحدى الجواري الحسان إلى البهو تحمل مصابيح أخرى جديدة بعد أن سحبت المصابيح المستعملة من داخل الفوانيس.

وكان من حظي أن اقتربت الجارية من ناحيتي ولاحظت أن وسادتي سقطت على الأرض فالتقطتها من مكانها بمهارة وقدمتها إلي. هناك وقع نظري عليها وطالعت وجهها في ضوء المصباح اللامع، وراقني منها شعرها الأسود المتموج كخيوط الليل، وأسنانها اللؤلؤية وقامتها الهيفاء، كما أعجبت بحركاتها الرشيقة، فأدمنت النظر إليها وصرت أتبعها بخاطري وهي تتحرك كالطائر من غصن إلى غصن، ولاحظ مضيف اهتمامي بهذه الجارية فأقترب مني وقال:

- هل أزعجتك عائشة؟

فأجبته على الفور:

- أنها فتاة بديعة حقاً

ثم حاولت أن أغير مجرى الحديث، ولكنه أدرك حيلتي فقلت له: ماذا دهاك يا أخي؟ هل

<<  <  ج:
ص:  >  >>