كما للمجتمعات البشرية من المرور في أدوار تاريخية مختلفة يتبع فيها سنة التطور ومنطق التدرج وهو قانون ثابت لا تفيد معه ثورة الأديب، ولا ألقاب الابتكار والتجديد التي تمنح له بغير حساب
وهذا الدور في الأدب العربي، دور محاكاة ونقل تتجه فيه العبقرية راضية أو غير راضية إلى النقل عن أدب الغرب أو إحياء ما اندرس من أدب العرب، وهو تيار جارف لا يقف أمامه كاتب مهما كبر، ولذلك فشلت محاولات الابتكار عند كبار أدبائنا. هذه محاولات شتى قام بها كثيرون منهم في السنوات الأخيرة وأرادوا أن يظهروا بها الابتكار والإبداع. ليقرأها القارئ جيداً وليحكم عليها من غير مداجاة، ألا يرى عليها الهزال والشحوب؟ فيدرك أن هذه الجهود المبتورة لا تناسب اسم أولئك الكتاب ومالهم من مجد عظيم نالوه عن طريق النقل.
وما يقال عن النثر يقال عن الشعر أيضاً. ولقد أدرك شوقي - رحمه الله - في أواخر أيامه أن خير ما يختم به إنتاجه قصص شعرية، عجز عن أن يستمدها من المحيط الذي يعيش فيه فرجع إلى كليوباترة في التاريخ المصري ومجنون ليلى في التاريخ العربي، وكأن الحياة الدارجة ما استطاعت أن تلهم الشاعر الموهوب موضوعاً لرواية قوية تقترن بحياة هذا الجيل
ولا عيب على هؤلاء الأدباء أن ينجحوا في دور الناقل ويخفقوا في دور المبتكر، ولا ينقص من قيمة جهدهم أن يبرز في النقل وحده، فالأدب المنقول يؤدي واجباً كبيراً في خدمة الأمة العربية ويشغل حلقة لابد منها للوصول بين الماضي والمستقبل، هي قسمة لابد منها وتوزيع لنوع الإنتاج بين أدباء المستقبل وأدباء اليوم الذين كان من حظهم أن يأتوا في في هذا العهد، عهد النقل فلا يسطع نجمهم إلا فيه ولا يذهب تقيدهم به سناء عبقريتهم
وهنا من حق القارئ أن يسألني: لماذا يعجز أدباؤنا عن الابتكار؟ أهو كسل منهم كما يقول الأستاذ المازني وفيهم النشاط الجم. أم فقر في المواهب، وفيهم العبقري الموهوب أم فقر في المحيط وهو عامر بشتى الصور والمفاجآت؟
وقد ثار مثل هذا التساؤل من حين قصير بين أدباء الإنكليز وتناول ناقدان كبيران البحث عن أسباب جمود الأدب الإنكليزي الحديث (ولا سيما في ناحية القصة التي تجتاح أكثر