إلى التكثر وتمناه، فلم يكن من بقية الآلهة إلا أن أجابوه إلى سؤله، فضحوه وقطعوه إرباً ونثروا أجزائه في جميع البقاع، لتحقيق هذا التوحد المنشود من جميع الأجزاء، وهذا الشوق هو سر التجاذب الخفي الموجود في جميع عناصر الكون، وأنجع الوسائل لتحقيق هذه الغاية هي الضحايا التي يقوم بها بنو البشر.
على أن الوصول النهائي إلى هذه الغاية لا يتحقق تماماً، لأن ما يجتمع من هذا الإله بوساطة الجاذبية الطبيعية من جهة وبالضحايا المقدمة من بني الإنسان من جهة أخرى لا يلبث أن يعود إلى التفكك بعملية خلق جديد يتولاها هذا الإله بنفسه من نفسه رغبة في إنشاء كون وتكثير وحداته. وستظل هذه الدورة مستمرة كالحلقة المفرغة التي لا يمتاز مبدؤها عن منتهاها إلى ما شاء الله أن يكون، ولكن القرابين والضحايا هي أهم أسباب هذا التجاذب الذي بقع بين العناصر المتناثرة فيجمع شتاتها، إذ هي العامل الأوحد الذي يصل بين الإله والأناسي من جهة وبين الأفراد بعضهم مع بعض من جهة أخرى، وأكثر من هذا أنها هي التي تعيد للإله قوته بعد تفككها بسبب تناثر أجزائه.
هذه هي الأسطورة الأولى في عقيدة بدء الخلق، أما الثانية فهي أن الإله (براجاباتي) أحس يوماً بشغف مادي شديد نحو ابنة (أوسهاس) إلهة الفجر الجميلة فأبدى لها هذه الرغبة فارتاعت منها ارتياعاً شديداً وفرت من وجهه مذعورة، فتعقبها وأخذ يرقب حركاتها، فكلما تشكلت بأنثى كائن من الكائنات تشكل هو بصورة ذكر هذا الكائن، وظل على هذه الحال حتى استولى عليها ونال منها بغيته، فحملت لساعتها بأول أفراد هذا العالم الموجود.
وحدة الوجود
كان من نتائج الأسطورة الأولى أن سرت في تلك البلاد فكرة وجود ساذجة لم تلبث أن تحولت إلى وحدة الوجود الفلسفية، تلك الوحدة التي أخذت تقوى مع الزمن حتى عم الاعتقاد بها بلاد الهند كافة. وها هو البيروني يحدثنا عن وحدة الوجود في الديانة الهندية بعد تاريخ (الفيدا) ببضعة وعشرين قرناً فيقول: (قال (باسديو) في كتاب (بكيتا): أما عند التحقق فجميع الأشياء إلهية لأن (بشن) جعل نفسه أرضاً ليستقر الحيوان عليها، وجعله ماء ليغذيهم، وجعله ناراً وريحاً لينميهم وينشئهم، وجعله قلباً لكل واحد منهم، ومنح الذكر والعلم وضديهما على ما هو مذكور في بيذ).