للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يعط إدراكه إلا للمبدعين

لقد حق القول علينا أيها الحكماء، مهما كلفنا الجهر به فأن الصمت أشد وطأة علينا، لأن كل حقيقة نكتمها إنما تتحول إلى سم زعاف فينا، فلنحطم الحقائق التي نجهر بها ما يمكنها أن تحطم فأن هنالك أبنية عديدة يجب علينا أن نرفعها

هكذا تكلم زارا. . .

العظماء

إن في بحراً هدأت أعماقه، فمن يظن أنه يخفي مسوخا دأبها المزاح؟ إن أغواري صامدة لا تتزعزع، غير أنها تتماوج بالمعميات وتجاوب فيها من الضحك نبرات وأصداء.

رأيت اليوم رجلا من العظماء الإجلاء الذين يكفرون من أجل الروح. فاستغرقت روحي في ضحكها هازئة بقبحه. غير أن هذا العظيم لم يبد ولم يعد. بل أنتفخ صدره كمن يتنفس الصعداء، فلاح لي بحقائقه المروعة وبأثوابه الممزقة غصناً كله أشواك وليس فيه ورد.

ما تعلم هذا القناص الضحك ولا عرف الجمال، فأنه راجع من غاب المعرفة أغبر الوجه بعد أن صارع فيها الوحوش فانطبعت صورهم على سيمائه، فهو كالنمر يتحفز للوثوب، وما أحب مثل هذه الأرواح المنقبضة على ما تضمر.

تقولون، أيها الصحاب، إنه لا جدال في الذوق وفي الألوان فكأنكم تجهلون أن الحياة بأسرها نضال من أجل الأذواق والألوان.

ما الذوق إلا الموزون والميزان والوزان. . . فويل لكل حي يريد أن يعيش دون نضال من أجل الموزونات والموازين والوازنين

ليت هذا الرجل العظيم يتعب من عظمته ليظهر الجمال فيه فأنه في ملاله من هذه العظمة يستحق أن أتذوقه فأجد له طعماً.

إذا لم يتحول العظيم عن نفسه فلا يمكنه أن يقفز فوق خياله لتغمره أشعة شمسه. لقد تفيأ الظل طويلا، هذا المفكر من أجل الروح، فشحب وجهه وكاد في انتظاره أن يموت جوعاً، وهذه عيناه تشعان بالاحتقار وشفتاه تتبرمان بالاشمئزاز، أنه يلتمس الراحة الآن ولكنه لم ينطرح تحت الشمس بعد.

ليت هذا الرجل يتمل بالثور فيفوح من سعادته عبق الأرض لا احتقار الأرض. ليته كالثور

<<  <  ج:
ص:  >  >>