للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأبيض يعج أمام المحراث فيرتفع عجيجه تسبيحاً للأرض وما عليها.

لقد أكفهر وجه هذا العظيم إذ تلاعبت على خديه إظلال يده فاخفت عيناه. وأعماله نفسها لم تزل كالخيال تلوح ولا تبدو عليه. فإن اليد ترسل ظلا قاتماً على العامل إذا هو لم يتفوق على عمله

إنني أقدر احتمال هذا الرجل لنير الثور ولكنني أتمنى أن تشع نظرات الملاك في عينيه، ولن تشع هذه النظرات ما لم ينس ما فيه من إرادة الأبطال. لأن ما أريد له هو أن يصير رجلاً سامياً لا أن يبقى في مربية الرجل العظيم حيث يفقد الإنسان إرادته فتتلاعب به أضعف النسمات.

لقد تغلب هذا العظيم على الجبابرة وتوصل إلى حل الرموز ولكن عليه الآن أن ينقذ هذه الجبابرة وهذه الرموز ليحولها إلى طفولة الألوهية.

إن معرفة هذا الرجل لم تتعلم الابتسام ولا الترفع عن الحسد كما أن موجة شهواته لم تكن في خضم الجمال. وما عليه أن يدفع بهذه الشهوات إلى سكون الشبع بل عليه أن يغرقها في الجمال لأن اللطف لا ينفصل عن مكارم من بلغوا الأوج بتفكيرهم

على البطل ألا يستسلم للراحة ما لم يضع يده على رأسه ليتفوق على راحته، وما يصعب على البطل شيء كإدراكه الجمال، لأن الجمال لا يستسلم لأبناء العنف.

أن بين الإفراط والتفريط قيد أنملة، فلا تحتقروا هذا المدى لأنه بعيد وإن قصر وفيه الأهمية الكبرى. ولكن عضلات العظماء لا تلجأ إلى السكون وأرادتهم لا تنضب. وما من جمال إلا في تنازل القوة إلى الرحمة وحلولها في المنظور.

أنني لا أطالب بالرحمة سواك، أيها المقتدر، فلتكن الرحمة آخر مرحلة تقطعها في انتصارك على ذاتك. وما كنت لأفرض الخير عليك لولا أنني أراك قادراً على ارتكاب كل الشرور. ولكم أضحكني أولئك الصعاليك يعدون أنفسهم رحماء وقد شلت يدهم ولا حول لهم ولا طول

عليك أن تتمثل في فضيلتك بفضيلة الأعمدة التي تزداد بها دقة وصلابة في لبابها كلما ازداد ارتفاعها

أجل أيها الرجل العظيم إنك ستبلغ الجمال يوماً فترفع المرآة إلى وجهك لتتمتع برؤية

<<  <  ج:
ص:  >  >>