تعاقب الأدوار وتلاحق الأفكار، وتباين المدارس الذهنية على حسب الأحوال والأطوار
أما عندنا فحين ظهر بيننا من ينتعون أنفسهم بمدرسة الشباب لم يكن معهم شيء جديد ولا دليل على الحداثة غير شهادة الميلاد، وراحوا في دعوتهم يميعون تميع الذي يربت على عطفيه ويتحبب إلى نفسه ويفرط في تدليل سنه كأنه يتقدم في سوق الرقيق لا في ميدان الفكر وحلبة الصراع
بيد أننا قد جربنا الاختلاف بيننا وبين أوربا الحديثة في خصال كثيرة صلح بعضها ولا تزال لها بقية على سنن الإصلاح؛ فلنجرب ما بيننا وبينها من اختلاف في هذه الخصلة خمسا وعشرين سنة أخرى، ولا ننتظر نهايتها حتى نتفاءل ما وسعنا التفاؤل على أبواب المجهول، وحسبنا منه فيما نحن فيه أن يتساوى الأمران فلا موجب للأمل ولا موجب للقنوط، وكل ما كان بالأمس فهو وشيك في غد أن يكون
أيذكر الأستاذ الزيات ما كانوا يعيبونه قبل خمس وعشرين سنة على كتاب الجيل الناشئ وشعرائه وناقديه؟؟ كانوا يجمعون العيوب كلها في كلمة واحدة يسمونها (التفرنج) ويعنون بها الخروج على قواعد العربية، وكان يخيل إلى سامعيهم أنهم على صواب لا ريب فيه؛ فهل نرى اليوم مصداق ذلك في لغة الفريقين من المسومين بالإعراب والموسومين بالتفرنج في ذلك الحين؟ أقرب الظن أن هؤلاء (المتفرنجين) من كهول اليوم أوفى للعربية من أولئك المستعربين المتشددين، فإن لم يكن ذلك شفيعا للأمل في غد، فلعله أن يكون معينا على الانتظار!