تخوضه فلسطين للذود عن كيانها. وللمرة الثالثة أو الرابعة تحاول السياسة الإنكليزية أن تبحث المسألة الفلسطينية على ضوء الحوادث والتطورات الواقعة، وقد حاولت من قبل أن تعالجها ببعض الحلول الجزئية، كإنشاء مجلس تشريعي، أو تقييد الهجرة اليهودية، أو الحد من بيع الأراضي إلى اليهود؛ ولكن الأمة الفلسطينية لم تقبل هذه الحلول العرضية، وما زالت تتمسك بمطلبها الأسمى، وهو إلغاء عهد بلفور وإلغاء الانتداب البريطاني ومع أن السياسة البريطانية ما زالت تصر على خطتها في التمسك بالانتداب وعهد بلفور، فأنها تشعر اليوم شعورا قويا بأنه يستحيل عليها من الوجهة العملية أن تمضي في هذه الخطة، وأن السلام لا يمكن أن يستتب في فلسطين ما لم يوضع حل نهائي شامل للمسألة الفلسطينية يرضى العرب واليهود معا. وهذه في الواقع هي النقطة الشائكة في الموضوع، ذلك أن كل حل تلحظ فيه أماني العرب لابد أن يجد فيه من نشاط الصهيونية وأمانيها في فلسطين، وهذا ما لا ترضاه اليهودية، بل تقاومه بكل قواها؛ واليهودية قوة عالمية ذات شأن وذات نفوذ يذكر في عالم السياسة والمالية العليا، والسياسة الإنكليزية لا يمكن أن تنسى هذه الحقيقة، فإذا أضفنا إلى ذلك أن بريطانيا العظمى قطعت لليهودية في شأن الوطن القومي عهودا يصعب عليها أن تتراجع فيها، أدركنا مبلغهما يحيق بحل المسألة الفلسطينية، من المصاعب الفادحة والاعتبارات الدقيقة.
وقد كانت آخر خطوة اتخذتها الإنكليزية في سبيل المسألة الفلسطينية، انتدابها في العام الماضي على أثر الاضطرابات التي اضطرمت بها فلسطين مدى أشهر لجنة ملكية لتحقيق أسباب هذه الاضطرابات وسماع أقوال العرب واليهود وتعرف موقف كل فريق وأمانيه وأسباب تذمره؛ وأن توصى بعد درس الحالة بخير الحلول التي تراها كفيلة بوضع الأمور في نصابها وحل المسألة الفلسطينية حلا يوفق بين مختلف الأماني والرغبات ويكفل استتباب النظام والأمن في فلسطين؛ وقدمت هذه اللجنة إلي فلسطين في أواخر العام الماضي وقامت بمهمتها؛ وفي الأنباء الأخيرة أنها وضعت تقريرها المنشود ورفعته إلي الحكومة الإنكليزية لدراسته واتخاذ قرارها بشأنه؛ ولم يعرف رأي اللجنة بعد في حل المسألة الفلسطينية بصورة قاطعة، ولكن الصحف البريطانية أذاعت أخيراً أنباء يستفاد منها أن اللجنة ترى أن تقسم فلسطين إلى منطقتين إحداهما عربية والأخرى يهودية، وأن