للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويقول الشيخ الشعراني في كتابه الطبقات: (إن طريق الصوفية مقيدة بالكتاب والسنة، وإنها مبنية على سلوك أخلاق الأنبياء والأصفياء) وأنها لا تكون مذمومة إن خالفت صريح القرآن أو السنة أو الإجماع لا غير، أما إذا لم تخالف فغاية الكلام أنه فهم أوتيه رجل مسلم، فمن شاء فليعمل به ومن شاء تركه. والتصوف هو عبارة عن علم انقدح في قلوب الأولياء حين استنارت بالعمل والكتاب والسنة، فكل من عمل بها انقدح له من ذلك علوم وأدب وأسرار وحقائق تعجز الألسن عنها نظير ما انقدح لعلماء الشريعة من الأحكام حين عملوا بما علموه من أحكامها. فالتصوف إنما هو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة إذا خلا عمله من العلل وحظوظ النفس كما أن علم المعاني والبيان زبدة علم النحو. ولا يدرك أن علم التصوف تفرع من عين الشريعة إلا من تبحر في علم الشريعة حتى بلغ إلى النهاية. وكيف تخرج علومهم عن الشريعة والشريعة هي وصلتهم إلى الله عز وجل في كل لحظة؟ وقد اجتمع القوم على أنه لا يصلح للتصدر في طريق الله إلا من تبحر في علم الشريعة وعلم منطوقها ومفهومها وخاصها وعامها وناسخها ومنسوخها، وتبحر في لغة العرب حتى عرف مجازاتها واستعارتها وغير ذلك، فكل صوفي فقيه ولا عكس.

وقد ورد فصل يحسن ذكره في هذا الموضع للدلالة على الروح الصوفية التي كانت تسود عقول أصحابها من كتاب (اللمع في التصوف) قال الشيخ أبو نصر: سألني سائل عن علم التصوف ومذاهب الصوفية وزعم أن الناس اختلفوا في ذلك فمنهم من يغلو في تفضيله ورفعه فوق مرتبته، ومنهم من يخرجه عن حد المعقول والتحصيل، ومنهم من يرى أن ذلك ضرب من اللهو واللعب وقلة المبالاة بالجهل، ومنهم من ينسب ذلك إلى التقوى والتقشف، وليس التصوف في تنوق الكلام واللباس وغير ذلك، ومنهم من يسرف في الطعن وقبح المقال فيهم حتى ينسبهم إلى الزندقة والضلالة، وليس من مذهبهم النزول على الرخص وطلب التأويلات والميل إلى الترفه والسَّعات، وركوب الشهوات لأن ذلك تهاون بالدين، وإنما مذهبهم التمسك بالأولى والأتم في أمر الدين. والصوفية لم ينفردوا بنوع من العلم دون نوع ولم يترسموا برسم من الأحوال المحمودة والأخلاق الشريفة.

ما هو التصوف؟ سال سائل محمد بن القصاب وهو استناد الجنيد الصوفي الشهير، فقال: أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام. وقال الجنيد: التصوف

<<  <  ج:
ص:  >  >>