للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن تكون مع الله بلا علاقة. وفي الحقيقة أن هذه الكلمة هي التي يتخذها الصوفيون أساسا لتصوفهم في المشرق كان أم في المغرب. ويدخل موضوع التصوف المبني على هذه القاعدة في عداد المذاهب الفلسفية، فالإنسان إذا أراد أن يكون مع الله بلا علاقة فهو محتاج ولا ريب إلى معرفة الله وتحديد علاقاته مع الإنسان معه، ولا ريب أن هذه الموضوعات هي سبيل مظلمة من سبل الفلسفة التي يستضيء الفيلسوف عقله لإنارتها، والصوفي يعتمد توكله وإيمانه.

وكلمة التصوف جاءت إلى العربية من اليونانية (صوفيا وهي تعني إغلاق الفم والصمت. وليس ببعيد هذا، لأن التصوف جاء إلى العرب ونشأ بينهم بعد هجرتهم من الجزيرة، وتعرفهم إلى مدنيات الأمم المجاورة لهم كالفرس واليونان وكانت فكرة التصوف عند هؤلاء شائعة

والأرجح أن يكون التصوف مذهبا مستقلا له شأنه. ينظر صاحب هذا المذهب إلى الكون نظر أصحاب المذاهب الأخرى له. وكما أن المتشرع الحكيم يضع من عنده القوانين للكون ويحدد كل شيء بالنسبة إليه بنظام، وكما أن الفيلسوف قد يجحد كل ما يصنعه غيره ويناقش الطبيعة بلغته الفلسفية الخاص، فالصوفي كذلك له من مذهبه ما يجعله مستقلا تمام الاستقلال عن المذاهب الأخرى: ينظر إلى الكون بعينه المجسدة، ويتفهم الفضائل حسبما يوحي إليه مذهبه، ولا بأس بأن نقول كمن قال (فيكتور كوزان): إن التصوف هو مذهب من المذاهب الفلسفية وإنما يستعين على الظهور بالدين؛ وهو إن لم يكن غنيا بمنطقه وقواعده وارتقائه على العقل فهو يتضمن قالب المذهب الفلسفي ولا يحدد إلا نقطة نظرية ضيقة المجال. وقد غلب هذا المذهب على المذاهب الطبيعية، وعم في سائر الديانات التي ارتكزت على الكتب السماوية والتعاليم البشرية.

على أن هذا لم يمنع قول القائلين: أن الصوفية ليست مذهبا يعتنقه المرء، يأخذ بعقائده وتقاليده. فإنها أدنى إلى الطبائع في بعض النفوس منها إلى قواعد مذهب مقرر، وأنت ترى كثيرين من الناس يعيشون عيشة الصوفية في زهدهم وقناعتهم وما هم بالصوفيين.

حكم العلماء على الصوفية

نشأ المذهب الصوفي شأن كل مذهب يكون الإخلاص رائده، ثم يتسرب إليه التحيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>