عظيما، ولكني لا أقدر. . . ولا أصب في مقالاتي إلا حثالة أفكاري؛ تنبت الأفكار في نفسي وتزهر وتثمر، ثم تذوي وتجف فآخذ الهشيم فأضعه في مقالتي!
ويتفجر الينبوع في نفسي، ويتدفق ويسيل، ثم ينضب وينقطع، فآخذ الوحل فأضعه في مقالتي!
وينبثق الفجر في نفسي، ويقوى ويشتد، ويكون الضحى والزوال، ثم يعود الليل، فآخذ قبضة من ظلام الليل، لأكتب منها مقالة، عنوانها. . . (ضياء الفجر)!
من أجل ذلك أكره أن أنظر في كل ما نظرت، وأستحي أن أعود إليه، وأحب كل جديد لم ينشر، وأرى أن الذي يمدحني بمقالاتي يحقرني لأنه لا يعلم أنها درهم من خزائن نفسي المفعمة بالذهب، فهو يقول لي: إن الدرهم كبير منك لأنك فقير، ولكن الذي ينقد مقالاتي وينقصها يقول لي: انك غني فالدرهم قليل منك، إن هذه المقالة حقيرة لأنك أنت عظيم. . .
لقد تعلمت هذه المسألة من عهد قريب، فصرت أحب النقد، وكنت أجهلها من قبل فأميل إلى الثناء والتقريظ
لبثت أعرض هذه المواكب من الأفكار، حتى تعبت ومللت، فألقيتها كلها في الصحراء، وجلست أفكر في الصحراء وحدها. . .
نظرت إليها وهي متمددة على سرير الجزيرة الواسعة - نائمة - فامتلأت إكباراً لها وإعظاماً، ثم فكرت أن لو فتحت الصحراء عينها - أكانت تبصرني - وتحس بوجودي؟ أأشعر أنا بوجود رملة حملتها الريح فطارت بها، فمست وجهي وهي طائرة، ثم مضت في سبيلها؟ ما أنا في وجود الصحراء الأرملة، وما حياتي إلا لحظة من حياتها، ولو تثاءبت الصحراء، أو حكت أنفها لتصرم قرن كامل قبل أن تنتهي من تثاؤبها وحكها أنفها. . . فما أعظم الصحراء وما أطول عمرها. . .
- بل ما أقل الصحراء. وما أقصر عمرها!
ما الصحراء؟ بل ما الأرض كلها؟ وما هذا المليار من القرون الذي عاشته؟ انه يوم من حياتي، إنها نقطة من بحري. . . إني نمت يوما فلما أفقت وجدت نقطة صغيرة هناك، فقلت: ما هذا؟ قالوا: مخلوق صغير يدعى الشمس. . . فعجبت من صغرها، ثم لم أحفل بها، فما أرضك هذا يا. . . يا. . . يا أيها العدم!