هذا ما قاله لي كوكب قريب، كان ينظر إلي باسما. . . فذكرت ما قاله علماء الفلك عن الكواكب وعظمتها، فسكت ولم أنطق. . . وإذا بكوكب آخر يطل من هناك يقهقه ضاحكا يصرخ في وجه الأول: اسكت أيها النملة الحقيرة، من أنت؟ إن آلافاً مثلك لا تملأ وادياً واحداً من أوديتي، أنني أحمل مائة مثلك بين أصبعين من أصابعي. . .
وكان وراءه كوكب خافت لا يقول شيئا، لأنه لم يعلم بوجود هذا كله - لا يراه لبعده وصغره، وكان وراءه ستمائة مليون من الكواكب كل واحدا أكبر من الذي قبله، وأصغرها من هذا الكوكب كالفيل من البعوضة. . . فجلست أحدق في هذه الكواكب ذاهلا مشدوها، وانقطعت أفكاري عن الجريان وأحسست بضآلتي، حتى لقد خلتني عدما. . .
ثم صغرت هذه الكواكب في نظري لما رأيت شيئا أعظم منها، صغرت لما رأيت السماء (سقفا مرفوعا)؛ حتى غدت كلها (مصابيح تزين السماء الدنيا)، ورأيت السموات تطيف بها كلها. تحيط بهذا الفضاء (سبعاً طباقا) ورأيت الجنة من وراء ذلك (عرضها السموات والأرض) ورأيت العرش والكرسي. وملك الكائنات العظيمة، فأحسست أن عقلي ينهدم ويتحطم حين يحاول التفكير فيها وهي مخلوقة، فكيف به حين يحاول التفكير في الخالق؟
وذهبت أقابل بين هذه العظمة الهائلة التي لا يدنو من تصورها العقل، وتلك الدقة الهائلة دقة الجراثيم التي يمر الألف منها من ثقب إبرة، دقة الكهارب التي يكون منها في الذرة الواحدة مئات من الكواكب الصغيرة، يدور بعضها على بعض، كما تدور كواكب المجموعة الشمسية، ذهبت أقابل بين هذا وذاك فعجزت، وأنكن نفسي وجحدتها وامتلأت إيماناً بالخالق الأعظم، فصحت من أعماق قلبي:
لا اله إلا الله!
أنكرت نفسي. ولم أعد أراها شيئا. . . ونسيت يدي ورجلي، حتى لقد حسبتهما جزءا من الكرسي أو السرير الذي أجلس عليه، وأضعت ميولي كلها وشهواتي. حتى لم يبق لي (أنا) وإنما صرت (أنا) الكون كله، الكون الذي ردد معي قولي، لا اله إلا الله! فأحسست حينما أنكرت نفسي. بلذة الوجدان التي لا توصف:
لا يعرف العشق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها
وبدأت أفهم ما كنت قرأته من أقوال أهل التصوف، وتعلمت أن الإنسان لا يحس بعظمة إلا